الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب ما جاء في أم الولد 2614 - ( عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : من وطئ أمته فولدت له فهي معتقة عن دبر منه } رواه أحمد وابن ماجه وفي لفظ : { أيما امرأة ولدت من سيدها فهي معتقة عن دبر منه - أو قال - : من بعده } رواه أحمد ) .

                                                                                                                                            2615 - ( وعن ابن عباس قال : ذكرت أم إبراهيم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال { : أعتقها ولدها } رواه ابن ماجه والدارقطني )

                                                                                                                                            [ ص: 115 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            [ ص: 115 ] الحديث الأول أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي وله طرق وفي إسناده الحسين بن عبد الله الهاشمي وهو ضعيف جدا وقد رجح جماعة وقفه على عمر وفي رواية للدارقطني والبيهقي من حديث ابن عباس أيضا { : أم الولد حرة وإن كان سقطا } وإسناده ضعيف قال الحافظ : والصحيح أنه من قول ابن عمر .

                                                                                                                                            والحديث الثاني في إسناده أيضا حسين بن عبد الله الهاشمي وهو ضعيف جدا كما تقدم قال البيهقي : وروي عن ابن عباس من قوله قال : وله علة ورواه مسروق عن عكرمة عن عمر وعن خصيف عن عكرمة عن ابن عمر قال : فعاد الحديث إلى عمر ، وله طرق أخرى رواه البيهقي من حديث ابن لهيعة عن عبيد الله بن جعفر { : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأم إبراهيم : أعتقك ولدك } وهو معضل وقال ابن حزم : صح هذا بسند رواته ثقات عن ابن عباس ثم ذكره من طريق قاسم بن أصبغ عن محمد بن مصعب عن عبيد الله بن عمر عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن ابن عباس . وتعقبه ابن القطان بأن قوله : عن محمد بن مصعب خطأ ، وإنما هو عن محمد وهو ابن وضاح عن مصعب وهو ابن سعيد المصيصي وفيه ضعف

                                                                                                                                            والحديثان يدلان على أن الأم تصير حرة إذا ولدت من سيدها ، وسيأتي الكلام على ذلك قريبا والخلاف فيه وأم الولد : هي الأمة التي علقت من سيدها بحمل ووضعته مختلفا وادعاه

                                                                                                                                            2616 - ( وعن أبي سعيد قال : { جاء رجل من الأنصار فقال : يا رسول الله إنا نصيب سبيا فنحب الأثمان فكيف ترى في العزل ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وإنكم لتفعلون ذلكم ، لا عليكم أن لا تفعلوا ذلكم ، فإنها ليس نسمة كتب الله عز وجل أن تخرج إلا وهي خارجة } رواه أحمد والبخاري ) الحديث فيه دليل على جواز العزل عن الإماء وسيذكر المصنف حديث أبي سعيد هذا في باب ما جاء في العزل من كتاب الوليمة والبناء ويأتي شرحه إن شاء الله تعالى هنالك فإنه الموضع الأليق به ، وفي مطلق العزل خلاف طويل

                                                                                                                                            وكذلك في خصوص العزل عن الحرة أو الأمة أو أم الولد ، وسيأتي هنالك مبسوطا بمعونة الله ، ولعل مراد المصنف رحمه اللهبإيراد الحديث الاستدلال بقوله : فنحب الأثمان على منع بيع أمهات الأولاد وهو محتمل

                                                                                                                                            2617 - ( وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم : { أنه نهى عن بيع أمهات الأولاد ، وقال : لا يبعن ولا يوهبن ولا يورثن ، يستمتع بها السيد ما دام حيا ، وإذا مات فهي حرة } [ ص: 116 ] رواه الدارقطني ، ورواه مالك في الموطأ والدارقطني من طريق آخر عن ابن عمر عن عمر من قوله وهو أصح )

                                                                                                                                            2618 - ( وعن أبي الزبير عن جابر { أنه سمعه يقول : كنا نبيع سرارينا أمهات أولادنا والنبي صلى الله عليه وسلم فينا حي لا نرى بذلك بأسا } رواه أحمد وابن ماجه ) .

                                                                                                                                            2619 - ( وعن عطاء عن جابر قال : { بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ، فلما كان عمر نهانا فانتهينا } رواه أبو داود قال بعض العلماء : إنما وجه هذا أن يكون ذلك مباحا ثم نهى عنه ولم يظهر النهي لمن باعها ، ولا علم أبو بكر بمن باع في زمانه لقصر مدته واشتغاله بأهم أمور الدين ثم ظهر ذلك زمن عمر فأظهر النهي والمنع ، وهذا مثل حديث جابر أيضا في المتعة قال : { كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر حتى نهانا عنه عمر في شأن عمرو بن حريث } رواه مسلم . وإنما وجهه ما سبق لامتناع النسخ بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ) .

                                                                                                                                            2620 - ( { وعن الخطاب بن صالح عن أمه قالت : حدثتني سلامة بنت معقل قالت : كنت للحباب بن عمرو ولي منه غلام ، فقالت لي امرأته : الآن تباعين في دينه ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له ، فقال : من صاحب تركة الحباب بن عمرو ؟ قالوا : أخوه أبو اليسر كعب بن عمرو فدعاه فقال : لا تبيعوها وأعتقوها فإذا سمعتم برقيق قد جاءني فأتوني أعوضكم ، ففعلوا ، فاختلفوا فيما بينهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال قوم : أم الولد مملوكة لولا ذلك لم يعوضكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ; وقال بعضهم : هي حرة قد أعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي كان الاختلاف } رواه أحمد في مسنده ، قال الخطابي : وليس إسناده بذلك ) حديث ابن عمر أخرجه أيضا البيهقي مرفوعا وموقوفا وقال : الصحيح وقفه على عمر وكذا قال عبد الحق وقال صاحب الإلمام : المعروف فيه الوقف والذي رفعه ثقة قيل : ولا يصح مسندا

                                                                                                                                            وحديث جابر الأول أخرجه أيضا الشافعي والبيهقي وحديثه [ ص: 117 ] الثاني أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم .

                                                                                                                                            وحديث سلامة بنت معقل أخرجه أيضا أبو داود .

                                                                                                                                            وفي إسناده محمد بن إسحاق بن يسار ، وفيه مقال وذكر البيهقي أنه أحسن شيء روي في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال هذا بعد أن ذكر أحاديث في أسانيدها مقال وفي الباب عن أبي سعيد عند الحاكم بنحو حديث جابر الآخر وإسناده ضعيف . قال البيهقي : وليس في شيء من الطرق أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك يعني بيع أمهات الأولاد وأقرهم عليه وقال الحافظ : إنه روى ابن أبي شيبة في مصنفه من طريق أبي سلمة عن جابر ما يدل على ذلك ، يعني الاطلاع والتقرير

                                                                                                                                            قوله : ( قال بعض العلماء ) قد روي نحو هذا الكلام عن الخطابي فقال : يحتمل أن يكون بيع أمهات الأولاد كان مباحا ثم نهى عنه صلى الله عليه وسلم في آخر حياته ولم يشتهر ذلك ، فلما بلغ ذلك عمر نهاهم

                                                                                                                                            قوله : ( ومثل هذا حديث جابر ) سيأتي الكلام عليه في النكاح إن شاء الله تعالى قوله : ( عن الخطاب بن صالح ) هو المدني مولى الأنصار معدود في الثقات ، توفي سنة ثلاث وأربعين ومائة ، وسلامة بتخفيف اللام : وهي امرأة من قيس عيلان ، والحباب بضم الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة وأبو اليسر بفتح التحتية والسين المهملة اسمه : كعب ، يعد في أهل المدينة وهو صحابي أنصاري بدري عقبي

                                                                                                                                            وقد استدل بحديثي ابن عباس المذكورين في الباب وحديث ابن عمر القائلون بأنه لا يجوز بيع أمهات الأولاد وهم الجمهور وقد حكى ابن قدامة إجماع الصحابة على ذلك ، ولا يقدح في صحة هذه الحكاية ما روي عن علي وابن عباس وابن الزبير من الجواز ; لأنه قد روي عنهم الرجوع عن المخالفة ، كما حكى ذلك ابن رسلان في شرح السنن وأخرج عبد الرزاق عن علي بإسناد صحيح أنه رجع عن رأيه الآخر إلى قول جمهور الصحابة

                                                                                                                                            وأخرج أيضا عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن عبيدة السلماني قال : " سمعت عليا يقول : اجتمع رأيي ورأي عمر في أمهات الأولاد أن لا يبعن ، ثم رأيت بعد أن يبعن ، قال عبيدة : فقلت : فرأيك ورأي عمر في الجماعة أحب إلي من رأيك وحدك في الفرقة " وهذا الإسناد معدود في أصح الأسانيد ، ورواه البيهقي من طريق أيوب وأخرج نحوه ابن أبي شيبة . وروى ابن قدامة في الكافي أن عليا لم يرجع رجوعا صريحا إنما قال لعبيدة وشريح : " اقضوا كما كنتم تقضون فإني أكره الخلاف " وهذا واضح في أنه لم يرجع عن اجتهاده ، وإنما أذن لهم أن يقضوا باجتهادهم الموافق لرأي من تقدم قال ابن قدامة أيضا : وقد روى صالح عن أحمد أنه قال : أكره بيعهن ، وقد باع علي بن أبي طالب

                                                                                                                                            قال أبو الخطاب : فظاهر هذا أنه يصح مع الكراهة وروى البيهقي من طرق منها عن الثوري عن عبد الله بن دينار قال : " جاء رجلان إلى ابن عمر فقال : " من أين أقبلتما ؟ قالا : من قبل ابن الزبير فأحل لنا أشياء كانت [ ص: 118 ] تحرم علينا ، قال : ما أحل لكم ؟ قالا : أحل لنا بيع أمهات الأولاد ، قال : أتعرفان أبا حفص عمر فإنه نهى أن تباع أو تورث يستمتع بها ما كان حيا ، فإذا مات فهي حرة ، ومن القائلين بجواز البيع الناصر والباقر والصادق والإمامية وبشر المريسي ومحمد بن المطهر وولده المزني وداود الظاهري وقتادة ، ولكنه إنما يجوز عند الباقر والصادق والإمامية بشرط أن يكون بيعها في حياة سيدها ، فإن مات ولها منه ولد باق عتقت عندهم

                                                                                                                                            وقد قيل : إن هذا مجمع عليه . وقد روي في جامع آل محمد عن القاسم بن إبراهيم أن من أدرك من أهله لم يكونوا يثبتون رواية بيع أمهات الأولاد وقد ادعى بعض المتأخرين الإجماع على تحريم بيع أم الولد مطلقا وهو مجازفة ظاهرة وادعى بعض أهل العلم أن تحريم بيعهن قطعي وهو فاسد لأن القطع بالتحريم إن كان لأجل الأدلة القاضية بالتحريم ففيها ما عرفت من المقال السالف ، وإن كان لأجل الإجماع المدعى ففيه ما عرفت ، وكيف يصح الاحتجاج بمثل ذلك والخلاف ما زال منذ أيام الصحابة إلى الآن

                                                                                                                                            وقد تمسك القائلون بالجواز بحديثي جابر المذكورين وحديث سلامة ، وقد عرفت أن حديثي جابر ليس فيهما ما يدل على اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على البيع وتقريره كما تقدم عن البيهقي وأيضا قوله : " فلا نرى بذلك بأسا " الرواية فيه بالنون التي للجماعة ، ولو كانت بالياء التحتية لكان فيه دلالة على التقرير وأما حديث سلامة فدلالته على عدم الجواز أظهر ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عن البيع وأمرهم بالإعتاق وتعويضهم عنها ليس فيه دليل على أنه كان يجوز بيعها لاحتمال أنه عوضهم لما رأى من احتياجهم ، وهذه المسألة طويلة الذيل وقد أفردها ابن كثير بمصنف مستقل

                                                                                                                                            وحكي عن الشافعي فيها أربعة أقوال ، وذكر أن جملة ما فيها من الأقوال للعلماء ثمانية ، ولا شك أن الحكم بعتق أم الولد مستلزم لعدم جواز بيعها ، فلو صحت الأحاديث القاضية بأنها تصير حرة بالولادة لكانت دليلا على عدم جواز البيع ولكن فيها ما سلف ، والأحوط اجتناب البيع لأن أقل أحواله أن يكون من الأمور المشتبهة والمؤمنون وقافون عندها كما أخبرنا بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم والله أعلم




                                                                                                                                            الخدمات العلمية