الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب التسمية والتستر عند الجماع [ ص: 231 ] عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال : بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فإن قدر بينهما في ذلك ولد لن يضر ذلك الولد الشيطان أبدا } رواه الجماعة إلا النسائي ) .

                                                                                                                                            2785 - ( وعن عتبة بن عبد السلمي قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ولا يتجردا تجرد العيرين } رواه ابن ماجه ) .

                                                                                                                                            2786 - ( وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إياكم والتعري فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط وحين يفضي الرجل إلى أهله فاستحيوهم وأكرموهم } رواه الترمذي وقال : هذا حديث غريب ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            زاد الترمذي بعد قوله : حديث غريب : لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وحديث عتبة في إسناده رشدين بن سعد وهو ضعيف ، وكذلك في إسناده الأحوص بن حكيم وهو أيضا ضعيف ، ولكنه قد تابع رشدين بن سعد عبد الأعلى بن عدي وهو ثقة ، ويشهد لصحة الحديثين - حديث عتبة بن عبد السلمي وحديث ابن عمر - الأحاديث الواردة في الأمر بستر العورة والمبالغة في ذلك : منها حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال : { قلت يا نبي الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟ قال : احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك ، قلت : يا رسول الله إذا كان القوم بعضهم في بعض ، قال : إن استطعت أن لا يراها أحد لا يراها ، قال : قلت : إذا كان أحدنا خاليا ، قال : فالله أحق أن يستحيا منه من الناس } هذا لفظ الترمذي وقال : حديث حسن ، ففي هذا الحديث الأمر بستر العورة في جميع الأحوال ، والإذن بكشف ما لا بد منه للزوجات والمملوكات حال الجماع ، ولكنه ينبغي الاقتصار على كشف المقدار الذي تدعو الضرورة إليه حال الجماع ، ولا يحل التجرد كما في حديث عتبة المذكور .

                                                                                                                                            قوله : ( إذا أتى أهله ) في رواية للبخاري { حين يأتي أهله } وفي رواية للإسماعيلي : { حين يجامع أهله } وذلك ظاهر في أن القول يكون مع الفعل وفي رواية لأبي داود : { إذا أراد أن يأتي أهله } وهي مفسرة لغيرها من الروايات [ ص: 232 ] فيكون القول قبل الشروع ، ويحمل ما عدا هذه الرواية على المجاز كقوله تعالى : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله } أي إذا أردت القراءة .

                                                                                                                                            قوله : ( جنبنا ) في رواية للبخاري بالإفراد . قوله : ( فإن قدر بينهما في ذلك ولد ) في رواية للبخاري { فإن قضى الله بينهما ولدا } . قوله : ( لن يضر ذلك الولد الشيطان ) في رواية لمسلم وأحمد : { لم يسلط عليه الشيطان } وفي لفظ البخاري { لم يضره شيطان } واللفظ الذي ذكره المصنف لأحمد . واختلف في الضرر المنفي بعد الاتفاق على عدم الحمل على العموم في أنواع الضرر على ما نقل القاضي عياض ، وإن كان ظاهرا في الحمل على عموم الأحوال من صيغة النفي مع التأبيد ، وكأن سبب ذلك الاتفاق ما ثبت في الصحيح أن كل بني آدم يطعن الشيطان في بطنه حين يولد إلا من استثني ، فإن هذا الطعن نوع من الضرر ، ثم اختلفوا فقيل : المعنى لم يسلط عليه من أجل بركة التسمية ، بل يكون من جملة العباد الذين قيل فيهم : { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } وقيل : المراد : لم يطعن في بطنه وهو بعيد لمنابذته لظاهر الحديث المتقدم ، وليس تخصيصه بأولى من تخصيص هذا .

                                                                                                                                            وقيل : المراد : لم يصرعه . وقيل : لم يضره في بدنه . وقال ابن دقيق العيد : يحتمل أن لا يضره في دينه أيضا ، ولكن يبعده انتفاء العصمة لاختصاصها بالأنبياء . وتعقب بأن اختصاص من خص بالعصمة بطريق الوجوب لا بطريق الجواز ، فلا مانع أن يوجد من لا يصدر منه معصية عمدا وإن لم يكن ذلك واجبا له . وقال الداودي : معنى لم يضره : أي لم يفتنه عن دينه إلى الكفر " وليس المراد عصمته منه عن المعصية . وقيل : لم يضره بمشاركة أبيه في جماع أمه كما جاء عن مجاهد أن الذي يجامع ولا يسمي يلتف الشيطان على إحليله فيجامع معه .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية