الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب 2966 - ( عن ابن عباس : { أن النبي صلى الله عليه وسلم أريد على ابنة حمزة فقال : إنها لا تحل لي ، إنها ابنة أخي من الرضاعة ، ويحرم من الرضاعة ما يحرم من الرحم وفي لفظ من النسب } متفق عليه ) .

                                                                                                                                            2967 - ( وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة } رواه الجماعة ، ولفظ ابن ماجه " من النسب " ) .

                                                                                                                                            2968 - ( وعن عائشة { أن أفلح أخا القعيس جاء يستأذن عليها ، وهو عمها من الرضاعة بعد أن نزل الحجاب قالت : فأبيت أن آذن له ; فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته بالذي صنعت ، فأمرني أن آذن له } رواه الجماعة ) .

                                                                                                                                            2969 - ( وعن الإمام علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن الله حرم من الرضاع ما حرم من النسب } رواه أحمد والترمذي وصححه )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            قوله : ( أريد ) بضم الهمزة والذي أراد من النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها هو علي رضي الله عنه كما في صحيح مسلم وقد اختلف في اسم ابنة حمزة على أقوال : أمامة وسلمى وفاطمة وعائشة وأمة الله وعمارة ويعلى ، وإنما كانت ابنة أخي النبي صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم رضع من ثويبة وقد كانت أرضعت حمزة قوله ( : أفلح ) بالفاء والحاء المهملة : وهو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقيل : مولى أم سلمة ، والقعيس بضم القاف وبعين وسين مهملتين مصغرا

                                                                                                                                            وقد استدل بأحاديث الباب على أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من [ ص: 377 ] النسب ، وذلك بالنظر إلى أقارب المرضع لأنهم أقارب للرضيع وأما أقارب الرضيع فلا قرابة بينهم وبين المرضع والمحرمات من الرضاع سبع : الأم والأخت بنص القرآن ، والبنت والعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت لأن هؤلاء الخمس يحرمن من النسب وقد وقع الخلاف : هل يحرم بالرضاع ما يحرم من الصهار ؟ وابن القيم قد حقق ذلك في الهدي بما فيه كفاية فليرجع إليه وقد ذهب الأئمة الأربعة إلى أنه يحرم نظير المصاهرة بالرضاع فيحرم عليه أم امرأته من الرضاعة وامرأة أبيه من الرضاعة

                                                                                                                                            ويحرم الجمع بين الأختين من الرضاعة وبين المرأة وعمتها وبنتها وبين خالتها من الرضاعة ، وقد نازعهم في ذلك ابن تيمية كما حكاه صاحب الهدي وحديث عائشة في دخول أفلح عليها فيه دليل على ثبوت حكم الرضاع في حق زوج المرضعة وأقاربه كالمرضعة

                                                                                                                                            وقد ذهب إلى هذا جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين وسائر العلماء ، وقد وقع التصريح بالمطلوب في رواية لأبي داود بلفظ : { قالت عائشة : دخل علي أفلح فاستترت منه ، فقال : أتستترين مني وأنا عمك ؟ قلت : من أين ؟ قالت : أرضعتك امرأة أخي قلت : إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل ، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثته ، فقال : إنه عمك فليلج عليك } وروي عن عائشة وابن عمر وابن الزبير ورافع بن خديج وزينب بنت أم سلمة وسعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن والقاسم بن محمد وسالم وسليمان بن يسار وعطاء بن يسار والشعبي والنخعي وأبي قلابة وإياس بن معاوية القاضي أنه لا يثبت حكم الرضاع للزوج ، حكى ذلك عنهم ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وعبد الرزاق وابن المنذر ، وروي أيضا هذا القول عن ابن سيرين وابن علية والظاهرية وابن بنت الشافعي ، وقد روي ما يدل على أنه قول جمهور الصحابة

                                                                                                                                            فأخرج الشافعي عن زينب بنت أبي سلمة أنها قالت " كان الزبير يدخل علي وأنا أمتشط أرى أنه أبي وأن ولده إخوتي لأن امرأته أسماء أرضعتني ، فلما كان بعد الحرة أرسل إلي عبد الله بن الزبير يخطب ابنتي أم كلثوم على أخيه حمزة بن الزبير وكان للكلبية ، فقلت : وهل تحل له ؟ فقال : إنه ليس لك بأخ إنما إخوتك من ولدت أسماء دون من ولد الزبير من غيرها ، قالت : فأرسلت فسألت والصحابة متوافرون وأمهات المؤمنين ، فقالوا : إن الرضاع لا يحرم شيئا من قبل الرجل فأنكحتها إياه " وأجيب بأن الاجتهاد من بعض الصحابة والتابعين لا يعارض النص ولا يصح دعوى الإجماع لسكوت الباقين لأنا نقول : نحن نمنع أولا أن هذه الواقعة بلغت كل المجتهدين منهم وثانيا : أن السكوت في المسائل الاجتهادية لا يكون دليلا على الرضا

                                                                                                                                            وأما عمل عائشة بخلاف ما روت فالحجة روايتها لا رأيها ، وقد تقرر في الأصول أن مخالفة الصحابي لما رواه لا تقدح في الرواية ، وقد صح عن علي القول بثبوت حكم الرضاع [ ص: 378 ] للرجل ، وثبت أيضا عن ابن عباس كما في البخاري




                                                                                                                                            الخدمات العلمية