الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب ما جاء في حد الساحر وذم السحر والكهانة 3200 - ( عن جندب قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حد الساحر ضربة بالسيف } . رواه الترمذي والدارقطني ، وضعف الترمذي إسناده ، وقال : الصحيح عن جندب موقوف ) .

                                                                                                                                            3201 - ( عن بجالة بن عبدة قال : كنت كاتبا لجزء بن معاوية عم الأحنف بن قيس فأتى كتاب عمر قبل موته بشهر ، أن اقتلوا كل ساحر وساحرة ، وفرقوا بين كل ذي رحم محرم من المجوس وانهوهم عن الزمزمة ، فقتلنا ثلاث سواحر ، وجعلنا نفرق بين الرجل وحريمه في كتاب الله تعالى . رواه أحمد وأبو داود ، وللبخاري منه : التفريق [ ص: 209 ] بين ذوي المحارم ) .

                                                                                                                                            3202 - ( وعن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة : أنه بلغه أن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قتلت جارية لها سحرتها وكانت قد دبرتها فأمرت بها فقتلت . رواه مالك في الموطإ عنه ) .

                                                                                                                                            3203 - ( وعن ابن شهاب { أنه سئل : أعلى من سحر من أهل العهد قتل ؟ قال : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صنع له ذلك فلم يقتل من صنعه ، وكان من أهل الكتاب . } أخرجه البخاري ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث جندب في إسناده إسماعيل بن مسلم المكي . قال الترمذي بعد ذكره : هذا حديث لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه ، وإسماعيل بن مسلم المكي يضعف في الحديث من قبل حفظه ، وإسماعيل بن مسلم العبدي البصري قال وكيع : هو ثقة ، ويروي عن الحسن أيضا ، والصحيح عن جندب موقوف . قال : والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم ، وهو قول مالك بن أنس . وقال الشافعي : إنما يقتل الساحر إذا كان يعمل في سحره ما يبلغ الكفر ، فإذا عمل عملا دون الكفر فلم نر عليه قتلا . ا هـ . وأخرج هذا الحديث الحاكم والبيهقي .

                                                                                                                                            وأثر عمر أخرجه أيضا البيهقي وعبد الرزاق .

                                                                                                                                            وأثر حفصة أخرجه أيضا عبد الرزاق له ، وقد استدل بحديث جندب من قال إنه يقتل الساحر ، قال النووي في شرح مسلم : عمل السحر حرام وهو من الكبائر بالإجماع . قال وقد يكون كفرا وقد لا يكون كفرا بل معصية كبيرة ، فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر كفر وإلا فلا ، وأما تعلمه وتعليمه فحرام ، قال : ولا يقتل عندنا ، يعني الساحر ، فإن تاب قبلت توبته . وقال مالك : الساحر كافر يقتل بالسحر ولا يستتاب ولا تقبل توبته بل يتحتم قتله ، والمسألة مبنية على الخلاف في قبول توبة الزنديق لأن الساحر عنده كافر كما ذكرنا وعندنا ليس بكافر ، وعندنا تقبل توبة المنافق والزنديق . قال القاضي عياض : وبقول مالك قال أحمد بن حنبل ، وهو مروي عن جماعة من الصحابة والتابعين ، قال أصحابنا : إذا قتل الساحر بسحره إنسانا أو اعترف أنه مات بسحره وأنه يقتل غالبا لزمه القصاص ، وإن مات به ولكنه قد يقتل وقد لا يقتل فلا قصاص وتجب الدية والكفارة ، وتكون الدية في ماله لا على عاقلته ، لأن العاقلة لا تحمل ما ثبت [ ص: 210 ] باعتراف الجاني .

                                                                                                                                            قال أصحابنا : ولا يتصور القتل بالسحر بالبينة ، وإنما يتصور باعتراف الساحر والله أعلم انتهى كلام النووي . وحكي في البحر عن العترة وأبي حنيفة وأصحابه أن السحر كفر . وحكي أيضا عن العترة وأكثر الفقهاء أنه لا حقيقة له ولا تأثير لقوله تعالى: { وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله } وعن أبي جعفر الإستراباذي والمغربي من الشافعية أن له حقيقة وتأثيرا إذ قد يقتل السموم ، وقد يغير العقل ، وقد يكون بالقول فيفرق بين المرء وزوجه لقوله تعالى: { ومن شر النفاثات في العقد } أراد الساحرات فلولا تأثيره لما استعاذ منه . وقد يحصل به إبدال الحقائق من الحيوانات . قلنا : سماه الله خيالا والخيال لا حقيقة له فقال : { يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى } قالوا : روت عائشة { أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان لا يدري ما يقول } . قلنا : رواية ضعيفة . انتهى كلام البحر . ويجاب عنه بأن الحديث صحيح كما سيأتي ، ويأتي أيضا أن مذهب جمهور العلماء أن للسحر تأثيرا وهو الحق كما يأتي بيانه انتهى .

                                                                                                                                            قوله : ( عن الزمزمة ) بزايين معجمتين مفتوحتين بينهما ميم ساكنة . قال في القاموس : الزمزمة : الصوت البعيد له دوي ، وتتابع صوت الرعد وهو أحسنه صوتا وأثبته مطرا ، وتراطن العلوج على أكلهم وهم صموت لا يستعملون لسانا ولا شفة ، لكنه صوت تديره في خياشيمها وحلوقها فيفهم بعضها عن بعض . قوله : ( فلم يقتل من صنعه . . . إلخ ) استدل به من قال إنه لا يقتل الساحر . ويجاب عنه بما سيأتي قريبا ، وأيضا ليس في ذلك دليل ، لأن غايته جواز الترك لا عدم جواز الفعل فيمكن الجمع على فرض عدم علم التاريخ بأن القتل للساحر جائز لا واجب




                                                                                                                                            الخدمات العلمية