الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب تحريم الفرار من الزحف إذا لم يزد العدو على ضعف المسلمين إلا المتحيز إلى فئة وإن بعدت [ ص: 297 ] عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { اجتنبوا السبع الموبقات ، قالوا : وما هن يا رسول الله ؟ قال : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات } . متفق عليه ) .

                                                                                                                                            3334 - ( وعن ابن عباس { لما نزلت : { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين } ، فكتب عليهم أن لا يفر عشرون من مائتين ثم نزلت : { الآن خفف الله عنكم } الآية ، فكتب أن لا تفر مائة من مائتين } . رواه البخاري وأبو داود ) .

                                                                                                                                            3335 - ( وعن ابن عمر قال : { كنت في سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحاص الناس حيصة ، وكنت فيمن حاص ، فقلنا كيف نصنع وقد فررنا من الزحف ، وبؤنا بالغضب ، ثم قلنا لو دخلنا المدينة فبتنا ، ثم قلنا لو عرضنا نفوسنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن كانت لنا توبة ، وإلا ذهبنا ، فأتيناه قبل صلاة الغداة ، فخرج فقال : من الفرارون ؟ فقلنا نحن ، قال : بل أنتم العكارون ، أنا فئتكم وفئة المسلمين ، قال فأتيناه حتى قبلنا يده } . رواه أحمد وأبو داود ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث ابن عمر أخرجه أيضا الترمذي وابن ماجه . وقال الترمذي : حسن لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن أبي زياد ، انتهى . ويزيد بن أبي زياد تكلم فيه غير واحد من الأئمة . قوله : ( الموبقات ) أي المهلكات . قال في القاموس : وبق كوعد ووجل وورث : هلك كاستوبق وكمجلس : المهلك والموعد والمجلس وواد في جهنم ، وكل شيء حال بين شيئين ، وأوبقه : حبسه وأهلكه . ا هـ .

                                                                                                                                            وفي الحديث دليل على أن هذه السبع المذكورة من كبائر الذنوب . والمقصود من إيراد الحديث ههنا قوله فيه : " والتولي يوم الزحف " فإن ذلك يدل على أن الفرار من الكبائر المحرمة . وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الفرار من موجبات الفسق . قال في البحر : مسألة : ومهما حرمت الهزيمة فسق المنهزم [ ص: 298 ] لقوله تعالى: { فقد باء بغضب من الله } وقوله : " الكبائر سبع إلا متحرفا لقتال " وهو أن يرى القتال في غير موضعه أصلح وأنفع فينتقل إليه .

                                                                                                                                            قال ابن عباس : وكانت هزيمة المسلمين في أوطاس انحرافا من مكان إلى مكان . " أو متحيزا إلى فئة " وإن بعدت إذ لم تفصل الآية ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : لأهل غزوة مؤتة " أنا فئة كل مسلم " الخبر ونحوه ، انتهى . ومن ذلك قوله في حديث الباب : { أنا فئتكم وفئة المسلمين } والأصل في جواز ذلك قوله تعالى: { ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله } وقد جوزت الهادوية الفرار إلى منعة من جبل أو نحوه وإن بعدت ، ولخشية استئصال المسلمين أو ضرر عام للإسلام ، وأما إذا ظنوا أنهم يغلبون إذا لم يفروا ففي جواز فرارهم وجهان .

                                                                                                                                            قال الإمام يحيى : أصحهما أنه يجب الهرب لقوله تعالى: { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } ولا إذ قال له رجل { يا رسول الله أرأيت لو انغمست في المشركين } ؟ . وقد تقدم في أول الجهاد وتقدم تفسير الآية . قوله : ( لما نزلت { إن يكن منكم عشرون صابرون } . . . إلخ ) .

                                                                                                                                            قال في البحر : وكانت الهزيمة محرمة وإن كثر الكفار لقوله تعالى: { فلا تولوهم الأدبار } ثم خففت عنهم بقوله : { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين } فأوجب على كل واحد مصابرة عشرة ، ثم خفف عنهم وأوجب على الواحد مصابرة اثنين بقوله : { الآن خفف الله عنكم } الآية . واستقر الشرع على ذلك فحينئذ حرمت الهزيمة لقول ابن عباس : من فر من اثنين فقد فر ومن فر من ثلاثة فلم يفر . انتهى

                                                                                                                                            قوله : ( فحاص الناس حيصة ) بالمهملات . قال ابن الأثير : حصت عن الشيء : حدت عنه وملت عن جهته ، هكذا قال الخطابي . قال المصنف رحمه الله تعالى : وقوله " حاصوا " أي حادوا حيدة ، ومنه قوله تعالى: { ما لهم من محيص } ويروى جاضوا جيضة بالجيم والضاد المعجمتين وهو بمعنى حادوا انتهى . قوله : ( ثم قلنا : لو دخلنا المدينة . . . إلخ ) لفظ أبي داود { فقلنا ندخل المدينة ، فنبيت فيها لنذهب ولا يرانا أحد ، فدخلنا فقلنا : لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كانت لنا توبة أقمنا وإن كان غير ذلك ذهبنا ، فجلسنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل صلاة الفجر ، فلما خرج قمنا إليه فقلنا : نحن الفرارون ، فأقبل إلينا فقال : لا ، أنتم العكارون فدنونا فقبلنا يده ، فقال : أنا فئة المسلمين } .

                                                                                                                                            قوله : ( العكارون ) بفتح العين المهملة وتشديد الكاف ، قيل هم الذين يعطفون إلى الحرب . وقيل : إذا حاد الإنسان عن الحرب ثم عاد إليها يقال قد عكر وهو عاكر وعكار . قال في القاموس : العكار : الكرار العطاف ، واعتكروا : اختلطوا في الحرب ، وانعكر : رجع بعضه على بعض فلم يقدر على عده . انتهى .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية