الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            581 - ( وعن نافع عن ابن عمر قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتم سدل عمامته بين كتفيه } ، قال نافع : وكان ابن عمر يسدل عمامته بين كتفه رواه الترمذي ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث أخرج نحوه مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه قال : { رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر ، وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفها بين كتفيه } ، وأخرج ابن عدي من حديث جابر قال : { كان للنبي صلى الله عليه وسلم عمامة سوداء يلبسها في العيدين ويرخيها خلفه } ، قال ابن عدي : لا أعلم يرويه عن أبي الزبير غير العرزمي وعنه حاتم بن إسماعيل ، وأخرج الطبراني عن أبي موسى { أن جبريل نزل على النبي صلى الله عليه وسلم وعليه عمامة سوداء قد أرخى ذؤابته من ورائه } .

                                                                                                                                            قوله : ( سدل ) السدل : الإسبال والإرسال ، وفسره في القاموس بالإرخاء . والحديث يدل على استحباب لبس العمامة ، وقد أخرج الترمذي وأبو داود والبيهقي من حديث ركانة بن عبد يزيد الهاشمي أنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : { فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس } قال ابن القيم في الهدي : وكان يلبس القلنسوة بغير عمامة ويلبس العمامة بغير قلنسوة انتهى . والحديث أيضا يدل على استحباب إرخاء العمامة بين الكتفين ، وقد أخرج [ ص: 127 ] أبو داود من حديث عبد الرحمن بن عوف قال : { عممني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسدلها من بين يدي ومن خلفي } والراوي عن عبد الرحمن شيخ من أهل المدينة ولم يذكر أبو داود اسمه .

                                                                                                                                            وأخرج الطبراني من حديث عبد الله بن ياسر قال : { بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب إلى خيبر فعممه بعمامة سوداء ثم أرسلها من ورائه أو قال على كتفه اليسرى } وحسنه السيوطي .

                                                                                                                                            وأخرج ابن سعد عن مولى يقال له هرمز قال : " رأيت عليا عليه عمامة سوداء قد أرخاها من بين يديه ومن خلفه " . قال ابن رسلان في شرح السنن عند ذكر حديث عبد الرحمن : وهي التي صارت شعار الصالحين المتمسكين بالسنة ، يعني إرسال العمامة على الصدر . وقال : وفي الحديث النهي عن العمامة المقعطة بفتح القاف وتشديد العين المهملة ، قال أبو عبيد في الغريب : المقعطة التي لا ذؤابة لها ولا حنك . قيل : المقعطة عمامة إبليس ، وقيل : عمامة أهل الذمة . وورد النهي عن العمامة التي ليست محنكة ولا ذؤابة لها فالمحنكة من حنك الفرس إذا جعل له في حنكه الأسفل ما يقوده به هذا معنى كلام ابن رسلان . والذي ذكره أبو عبيد في الغريب في حديث { أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالتلحي ونهى عن الاقتعاط } إن المقعطة هي التي لم يجعل منها تحت الحنك . وقال ابن الأثير في النهاية في حديث { أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الاقتعاط وأمر بالتلحي } إن الاقتعاط أن لا يجعل تحت الحنك من العمامة شيئا ، والتلحي جعل بعض العمامة تحت الحنك . وقال الجوهري في الصحاح : الاقتعاط شد العمامة على الرأس من غير إرادة تحت الحنك ، والتلحي تطويف العمامة تحت الحنك ، وهكذا في القاموس ، وكذا قال ابن قتيبة ، وقال الإمام أبو بكر الطرطوشي : اقتعاط العمائم هو التعميم دون حنك وهو بدعة منكرة ، وقد شاعت في بلاد الإسلام . وقال ابن حبيب في كتاب الواضحة : إن ترك الالتحاء من بقايا عمائم قوم لوط . وقال مالك : أدركت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين محنكا وإن أحدهم لو ائتمن على بيت المال لكان به أمينا . وقال القاضي عبد الوهاب في كتاب المعونة له : ومن المكروه ما خالف زي العرب وأشبه زي العجم كالتعميم بغير حنك . وقال القرافي : ما أفتى مالك حتى أجازه أربعون محنكا . وقد روي التحنك عن جماعة من السلف .

                                                                                                                                            وروي النهي عن الاقتعاط عن جماعة منهم وكان طاوس ومجاهد يقولان : إن الاقتعاط عمامة الشيطان فينظر فيما نقله ابن رسلان عن أبي عبيد من أن المقعطة هي التي لا ذؤابة لها . وقد استدل على جواز ترك الذؤابة ابن القيم في الهدي بحديث جابر بن سليم عند مسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه بلفظ : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم { دخل مكة وعليه عمامة سوداء } بدون ذكر الذؤابة . قال : فدل على أن الذؤابة لم يكن يرخيها دائما بين كتفيه ، وقد يقال : إنه دخل مكة وعليه أهبة القتال والمغفر على [ ص: 128 ] رأسه فلبس في كل موطن ما يناسبه ا هـ .

                                                                                                                                            وروى أبو داود من حديث عبد الرحمن بن عوف قال : { عممني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسدلها بين يدي ومن خلفي } . وروى الطبراني عن عائشة قالت : { عمم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف وأرخى له أربع أصابع } وفي إسناده المقدام بن داود وهو ضعيف . وأخرج نحوه الطبراني في الأوسط عن ابن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم عمم عبد الرحمن بن عوف فأرسل من خلفه أربع أصابع أو نحوها ثم قال : هكذا فاعتم فإنه أعرب وأحسن } قال السيوطي : وإسناده حسن .

                                                                                                                                            وأخرج الطبراني أيضا في الأوسط من حديث ثوبان { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتم أرخى عمامته بين يديه ومن خلفه } ، وفي إسناده الحجاج بن رشدين وهو ضعيف . وأخرج الطبراني أيضا في الكبير عن أبي أمامة قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يولي واليا حتى يعممه ويرخي لها من جانبه الأيمن نحو الأذن } وفي إسناده جميع بن ثوبان وهو متروك .

                                                                                                                                            قيل : ويحرم إطالة العذبة طولا فاحشا ولا مقتضى للجزم بالتحريم . قال النووي في شرح المهذب : يجوز لبس العمامة بإرسال طرفها وبغير إرساله ولا كراهة في واحد منهما ، ولم يصح في النهي عن ترك إرسالها شيء ، وإرسالها إرسالا فاحشا كإرسال الثوب يحرم للخيلاء ويكره لغيره انتهى . وقد أخرج ابن أبي شيبة أن عبد الله بن الزبير كان يعتم بعمامة سوداء قد أرخاها من خلفه نحوا من ذراع .

                                                                                                                                            وروى سعد بن سعيد عن رشدين قال : رأيت عبد الله بن الزبير يعتم بعمامة سوداء ويرخيها شبرا أو أقل من شبر . قال السيوطي في الحاوي في الفتاوى : وأما مقدار العمامة الشريفة فلم يثبت في حديث وقد روى البيهقي في شعب الإيمان عن ابن سلام بن عبد الله بن سلام قال : { سألت ابن عمر كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتم ؟ قال : كان يدير العمامة على رأسه ويقورها من ورائه ، ويرسل لها ذؤابة بين كتفيه } ، وهذا يدل على أنها عدة أذرع ، والظاهر أنها كانت نحو عشرة أو فوقها بيسير انتهى .

                                                                                                                                            ولا أدري ما هذا الظاهر الذي زعمه فإن كان الظهور من هذا الحديث الذي ساقه باعتبار ما فيه من ذكر الإدارة والتقوير وإرسال الذؤابة فهذه الأوصاف تحصل في عمامة دون ثلاثة أذرع ، وإن كان من غيره فما هو بعد إقراره بعدم ثبوت مقدارها في حديث .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية