الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            633 - ( وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من أكل الثوم والبصل والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم . } متفق عليه ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            قال النووي بعد أن ذكر حديث مسلم بلفظ { فلا يقربن المساجد } : هذا تصريح بنهي من أكل الثوم ونحوه عن دخول كل مسجد وهذا مذهب العلماء كافة إلا ما حكاه القاضي عياض عن بعض العلماء أن النهي خاص بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم لقوله في رواية " مسجدنا " وحجة الجمهور " فلا يقربن المساجد " . قال ابن دقيق العيد : ويكون مسجدنا لجنس أو لضرب المثال فإنه معلل إما بتأذي الآدميين أو بتأذي الملائكة الحاضرين وذلك قد يوجد في المساجد كلها ثم إن النهي إنما هو عن حضور المسجد لا عن أكل الثوم والبصل ونحوهما فهذه البقول حلال بإجماع من يعتد به

                                                                                                                                            وحكى القاضي عياض عن أهل الظاهر تحريمها لأنها تمنع عن حضور الجماعة وهي عندهم فرض عين ، وحجة الجمهور قوله صلى الله عليه وسلم في أحاديث الباب : { كل فإني أناجي من لا تناجي } وقوله صلى الله عليه وسلم { أيها الناس ليس لي تحريم ما أحل الله ولكنها شجرة أكره ريحها } أخرجه مسلم وغيره . قال العلماء : ويلحق بالثوم والبصل والكراث ما له رائحة كريهة من المأكولات وغيرها . قال القاضي عياض : ويلحق [ ص: 180 ] به من أكل فجلا وكان يتجشأ . قال : قال ابن المرابط : ويلحق به من به بخر في فيه أو به جرح له رائحة . قال القاضي : وقاس العلماء على هذا مجامع الصلاة غير المسجد كمصلى العيد والجنائز ونحوهما من مجامع العبادات وكذا مجامع العلم والذكر والولائم ونحوها ولا يلحق بها الأسواق ونحوها انتهى .

                                                                                                                                            وفيه أن العلة إن كانت هي التأذي فلا وجه لإخراج الأسواق وإن كانت مركبة من التأذي وكونه حاصلا للمشتغلين بطاعة صح ذلك ولكن العلة المذكورة في الحديث هي تأذي الملائكة فينبغي الاقتصار على إلحاق المواطن التي تحضرها الملائكة

                                                                                                                                            وقد ورد في حديث مسلم بلفظ : { لا يؤذينا بريح الثوم } وهي تقتضي التعليل بتأذي بني آدم . قال ابن دقيق العيد : والظاهر أن كل واحد منهما علة مستقلة انتهى . وعلى هذا الأسواق كغيرها من مجامع العبادات . وقد استدل بالحديث على عدم وجوب الجماعة قال ابن دقيق العيد : وتقريره أن يقال كل هذه الأمور جائزة بما ذكرنا ومن لوازمه ترك صلاة الجماعة في حق آكلها ولازم الجائز جائز ، فترك الجماعة في حق آكلها جائز ، وذلك ينافي الوجوب . وأهل الظاهر القائلون بتحريم أكل ما له رائحة كريهة يقولون : إن صلاة الجماعة واجبة على الأعيان ولا تتم إلا بترك أكل الثوم لهذا الحديث وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب . فترك أكل ذلك واجب

                                                                                                                                            قوله : ( فإن الملائكة تتأذى ) قال النووي : هو بتشديد الذال . ووقع في أكثر الأصول بالتخفيف وهي لغة ، يقال أذى يأذى في مثل عمى يعمى . قال : قال العلماء : وفي هذا الحديث دليل على منع من أكل الثوم من دخول المسجد وإن كان خاليا لأنه محل الملائكة . ولعموم الأحاديث




                                                                                                                                            الخدمات العلمية