الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            655 - ( وعن ابن عمر قال { : بينما الناس بقبا في صلاة الصبح إذ جاءهم آت ، فقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن ، وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة } . متفق عليه ) .

                                                                                                                                            656 - ( وعن أنس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي نحو بيت المقدس فنزلت { قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام } . فمر رجل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر وقد صلوا ركعة فنادى : ألا إن القبلة قد حولت ، فمالوا كما هم نحو القبلة } . رواه أحمد ومسلم وأبو داود ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            وفي الباب عن البراء عند الجماعة إلا أبا داود . وعن ابن عباس عند أحمد والبزار والطبراني قال العراقي : وإسناده صحيح . وعن عمارة بن أوس عند أبي يعلى في المسند والطبراني في الكبير . وعن عمرو بن عوف المزني عند البزار والطبراني أيضا . وعن سعد بن أبي وقاص عند البيهقي وإسناده صحيح . وعن سهل بن سعد عند الطبراني والدارقطني . وعن عثمان بن حنيف عند الطبراني أيضا . وعن عمارة بن رويبة عند الطبراني أيضا . وعن أبي سعيد بن المعلى عند البزار والطبراني أيضا . وعن تويلة بنت أسلم عند الطبراني أيضا

                                                                                                                                            قوله : ( في صلاة الصبح ) هكذا في صحيح مسلم من حديث أنس بلفظ " وهم ركوع في صلاة الفجر " وكذا عند الطبراني من حديث سهل بن سعد بلفظ { فوجدهم يصلون [ ص: 195 ] صلاة الغداة } وفي الترمذي من حديث البراء بلفظ { فصلى رجل معه العصر } وساق الحديث وهو مصرح بذلك في رواية البخاري من حديث البراء وليس عند مسلم تعيين الصلاة من حديث البراء وفي حديث عمارة بن أوس أن التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة إحدى صلاتي العشي وهكذا في حديث عمارة بن رويبة وحديث تويلة وفي حديث أبي سعيد بن المعلى أنها الظهر . والجمع بين هذه الروايات أن من قال إحدى صلاتي العشي شك هل هي الظهر أو العصر ؟ وليس من شك حجة على من جزم ، فنظرنا فيمن جزم فوجدنا بعضهم قال الظهر ، وبعضهم قال العصر ، ووجدنا رواية العصر أصح لثقة رجالها وأخرج البخاري لها في صحيحه . وأما حديث كونها الظهر ففي إسنادها مروان بن عثمان وهو مختلف فيه وأما رواية أن أهل قباء كانوا في صلاة الصبح فيمكن أنه أبطأ الخبر عنهم إلى صلاة الصبح . قال ابن سعد في الطبقات حاكيا عن بعضهم : إن ذلك كان بمسجد المدينة ، فقال : ويقال { صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين من الظهر في مسجده بالمسلمين ثم أمر أن يتوجه إلى المسجد الحرام فاستدار إليه وكان معه المسلمون } ويكون المعنى برواية البخاري أنها العصر : أي أن أول صلاة صلاها إلى الكعبة كاملة صلاة العصر .

                                                                                                                                            قوله : ( إذ جاءهم آت ) قيل هو عباد بن بشر وقيل عباد بن نهيك وقيل غيرهما . قوله : ( فاستقبلوها ) بفتح الموحدة للأكثر : أي فتحولوا إلى جهة الكعبة وفاعل استقبلوها المخاطبون بذلك وهم أهل قباء ويحتمل أن يكون فاعل استقبلوها النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه . وفي رواية في البخاري بكسر الموحدة بصغة الأمر ويؤيد الكسر ما عند البخاري في التفسير بلفظ " ألا فاستقبلوها "

                                                                                                                                            قوله : ( وكانت وجوههم ) هو تفسير من الراوي للتحول المذكور والضمير في وجوههم فيه الاحتمالان ، وقد وقع بيان كيفية التحول في خبر تويلة قالت : " فتحول النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء " . قال الحافظ : وتصويره أن الإمام تحول من مكانه في مقدم المسجد إلى مؤخر المسجد لأن من استقبل الكعبة استدبر بيت المقدس وهو لو دار في مكانه لم يكن خلفه مكان يسع الصفوف . ولما تحول الإمام تحولت الرجال حتى صاروا خلفه ، وتحول النساء حتى صرن خلف الرجال ، وهذا يستدعي عملا كثيرا في الصلاة فيحتمل أن ذلك وقع قبل تحريم العمل الكثير كما كان قبل تحريم الكلام ويحتمل أن يكون اغتفر العمل المذكور من أجل المصلحة المذكورة ، أو وقعت الخطوات غير متوالية عند التحول بل وقعت مفرقة .

                                                                                                                                            وللحديث الأول فوائد منها أن حكم الناسخ لا يثبت في حق المكلف حتى يبلغه لأن أهل قباء لم يؤمروا بالإعادة . ومنها جواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في أمر القبلة ، لأن الأنصار تحولوا إلى جهة الكعبة بالاجتهاد ، ونظره الحافظ قال : يحتمل أن يكون عندهم [ ص: 196 ] بذلك نص سابق

                                                                                                                                            ومنها جواز تعليم من ليس في الصلاة من هو فيها

                                                                                                                                            ومنها جواز نسخ الثابت بطريق العلم والقطع بخبر الواحد وتقريره أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على أهل قباء عملهم خبر الواحد . وأجيب عن ذلك بأن الخبر المذكور احتف بالقرائن والمقدمات التي أفادت القطع لكونه في زمن تقلب وجهه في السماء ليحول إلى جهة الكعبة ، وقد عرفت منه الأنصار ذلك بملازمتهم له فكانوا يتوقعون ذلك في كل وقت ، فلما فجأهم الخبر عن ذلك أفادهم العلم لما كانوا يتوقعون حدوثه . وأجاب العراقي بأجوبة أخر : منها أن النسخ بخبر الواحد كان جائزا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وإنما امتنع بعده . قال الحافظ : ويحتاج إلى دليل . ومنها أنه تلا عليهم الآية التي فيها ذكر النسخ بالقرآن وهم أعلم الناس بإطالته وإيجازه وأعرفهم بوجوه إعجازه

                                                                                                                                            ومنها أن العمل بخبر الواحد مقطوع به ، ثم قال : الصحيح أن النسخ للمقطوع بالمظنون كنسخ نص الكتاب أو السنة المتواترة بخبر الواحد جائز عقلا وواقع سمعا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وزمانه ، ولكن أجمعت الأمة على منعه بعد الرسول فلا مخالف فيه وإنما الخلاف في تجويزه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم انتهى . ومن فوائد الحديث ما ذكره المصنف قال : وهو ححة في قبول أخبار الآحاد انتهى ، وذلك لأنه أجمع عليه الذين بلغ إليهم ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بل روى الطبراني في آخر حديث تويلة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيهم { أولئك رجال آمنوا بالغيب }




                                                                                                                                            الخدمات العلمية