الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            906 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من لم يصل ركعتي الفجر ، فليصلهما بعدما تطلع الشمس } . رواه الترمذي ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضاهما مع الفريضة لما نام عن الفجر في السفر ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث قال الترمذي بعد إخراجه له : حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وأخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك ، وقال : حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه والدارقطني والبيهقي . والحديث الذي أشار إليه المصنف قد تقدم في باب قضاء الفوائت من أبواب الأوقات .

                                                                                                                                            والحديث استدل به على أن من لم يركع ركعتي الفجر قبل الفريضة ، فلا يفعل بعد الصلاة حتى تطلع الشمس ، ويخرج الوقت المنهي عن الصلاة فيه ، وإلى ذلك ذهب الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق ، وحكى ذلك الترمذي عنهم ، وحكاه الخطابي عن الأوزاعي ، قال العراقي : والصحيح من مذهب الشافعي أنهما يفعلان بعد الصبح ، ويكونان أداء .

                                                                                                                                            والحديث لا يدل صريحا على أن من تركهما قبل صلاة الصبح لا يفعلهما إلا بعد طلوع الشمس ، وليس فيه إلا الأمر لمن لم يصلهما مطلقا أن يصليهما بعد طلوع الشمس ، ولا شك أنهما إذا تركا في وقت الأداء فعلا في وقت القضاء ، وليس في الحديث ما يدل على المنع من فعلهما بعد صلاة الصبح ، ويدل على ذلك رواية الدارقطني والحاكم والبيهقي فإنها بلفظ : { من لم يصل ركعتي الفجر حتى تطلع الشمس فليصلهما } ويدل على عدم الكراهة أيضا حديث قيس بن عمرو أو ابن فهد أو ابن سهل على اختلاف الروايات عند الترمذي وأبي داود وابن ماجه قال : { خرج رسول الله ، صلى الله عليه وسلم فأقيمت الصلاة فصليت معه الصبح ، ثم انصرف النبي صلى الله عليه وسلم فوجدني أصلي ، فقال : مهلا يا قيس أصلاتان معا ؟ قلت : يا رسول الله إني لم أكن [ ص: 33 ] ركعت ركعتي الفجر ، قال : فلا إذن } ولفظ أبي داود قال : { رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي بعد صلاة الصبح ركعتين ، فقال : صلاة الصبح ركعتان فقال الرجل : إني لم أكن صليت الركعتين اللتين قبلهما فصليتهما الآن ، فسكت } قال الترمذي : إنما يروى هذا الحديث مرسلا ، وإسناده ليس بمتصل ; لأن فيه محمد بن إبراهيم عن قيس بن عمرو ومحمد لم يسمع من قيس وقول الترمذي : إنه مرسل ومنقطع ليس بجيد ، فقد جاء متصلا من رواية يحيى بن سعيد عن أبيه عن جده قيس ، رواه ابن خزيمة في صحيحه ، وابن حبان من طريقه وطريق غيره ، والبيهقي في سننه عن يحيى بن سعيد عن أبيه عن جده قيس المذكور . وقد قيل : إن سعيد بن قيس لم يسمع من أبيه ، فيصح ما قاله الترمذي من الانقطاع وأجيب عن ذلك بأنه لم يعرف القائل بذلك ، وقد أخرجه أيضا الطبراني في الكبير من طريق أخرى متصلة فقال : حدثنا إبراهيم بن متويه الأصبهاني ، حدثنا أحمد بن الوليد بن برد الأنصاري ، حدثنا أيوب بن سويد عن ابن جريج عن عطاء أن قيس بن سهل حدثه أنه { دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي ، ولم يكن صلى الركعتين ، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما قضى صلاته قام فركع } وأخرجه ابن حزم في المحلى من رواية الحسن بن ذكوان عن عطاء بن أبي رباح عن رجل من الأنصار قال : { رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي بعد الغداة ، فقال : يا رسول الله لم أكن صليت ركعتي الفجر فصليتهما الآن ، فلم يقل له شيئا ، } قال العراقي : وإسناده حسن ويحتمل أن الرجل هو قيس المتقدم

                                                                                                                                            ويؤيد الجواز حديث ثابت بن قيس بن شماس عند الطبراني في الكبير قال : { أتيت المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة ، فلما سلم النبي التفت إلي وأنا أصلي ، فجعل ينظر إلي وأنا أصلي ، فلما فرغت قال : ألم تصل معنا ؟ قلت : نعم ، قال : فما هذه الصلاة ؟ قلت : يا رسول الله ركعتا الفجر خرجت من منزلي ، ولم أكن صليتهما ، قال : فلم يعب ذلك علي } وفي إسناده الجراح بن منهال ، وهو منكر الحديث ، قاله البخاري ومسلم ، ونسبه ابن حبان إلى الكذب .

                                                                                                                                            وفي الحديث مشروعية قضاء النوافل الراتبة ، وظاهره سواء فاتت لعذر ، أو لغير عذر

                                                                                                                                            وقد اختلف العلماء في ذلك على أقوال أحدها : استحباب قضائها مطلقا ، سواء كان الفوت لعذر أو لغير عذر ; لأنه صلى الله عليه وسلم أطلق الأمر ، بالقضاء ولم يقيده بالعذر . وقد ذهب إلى ذلك من الصحابة عبد الله بن عمر . ومن التابعين عطاء وطاوس والقاسم بن محمد

                                                                                                                                            ومن الأئمة ابن جريج والأوزاعي والشافعي في الجديد وأحمد وإسحاق ومحمد بن الحسن والمزني . والقول الثاني : إنها لا تقضى ، وهو قول أبي حنيفة ومالك وأبي يوسف في أشهر الروايتين عنه ، وهو قول الشافعي في القديم ، ورواية عن أحمد ، ، والمشهور عن مالك قضاء ركعتي الفجر بعد طلوع الشمس

                                                                                                                                            والقول الثالث : التفرقة بين ما هو مستقل بنفسه [ ص: 34 ] كالعيد والضحى فيقضى ، وبين ما هو تابع لغيره كرواتب الفرائض فلا يقضى ، وهو أحد الأقوال عن الشافعي

                                                                                                                                            والقول الرابع : إن شاء قضاها ، وإن شاء لم يقضها على التخيير ، وهو مروي عن أصحاب الرأي ومالك ، والقول الخامس : التفرقة بين الترك لعذر نوم أو نسيان فيقضى ، أو لغير عذر فلا يقضى ، وهو قول ابن حزم ، واستدل بعموم قوله : " من نام عن صلاته " الحديث . وأجاب الجمهور : أن قضاء التارك لها تعمدا من باب الأولى ، وقد قدمنا الجواب عن هذه الأولوية .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية