الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب ما جاء في إمامة الصبي

                                                                                                                                            1091 - ( عن عمرو بن سلمة قال { : لما كانت وقعة الفتح بادر كل قوم [ ص: 197 ] بإسلامهم ، وبادر أبي قومي بإسلامهم ، فلما قدم قال : جئتكم من عند النبي صلى الله عليه وسلم حقا ، فقال : صلوا صلاة كذا في حين كذا ، وصلاة كذا في حين كذا ، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم ، وليؤمكم أكثركم قرآنا ، فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنا مني لما كنت أتلقى من الركبان ، فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست سنين ، أو سبع سنين ، وكانت علي بردة كنت إذا سجدت تقلصت عني فقالت امرأة من الحي : ألا تغطون عنا است قارئكم ، فاشتروا فقطعوا لي قميصا ، فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص } . رواه البخاري والنسائي بنحوه ، قال فيه : كنت أؤمهم وأنا ابن ثمان سنين . وأبو داود وقال فيه : وأنا ابن سبع سنين . وأحمد ولم يذكر سنه ، ولأحمد وأبي داود : فما شهدت مجمعا من جرم إلا كنت إمامهم إلى يومي هذا ) .

                                                                                                                                            1092 - ( وعن ابن مسعود قال : لا يؤم الغلام حتى تجب عليه الحدود ) .

                                                                                                                                            1093 - ( وعن ابن عباس قال : لا يؤم الغلام حتى يحتلم . رواهما الأثرم في سننه ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            عمرو بن سلمة قد اختلف في صحبته . قال في التهذيب : لم يثبت له مع النبي صلى الله عليه وسلم . وروى الدارقطني ما يدل على أنه وفد مع أبيه . وأثر ابن عباس رواه عبد الرزاق مرفوعا بإسناد ضعيف قوله : ( وليؤمكم أكثركم ) فيه أن المراد بالأقرإ في الأحاديث المتقدمة : الأكثر قرآنا لا الأحسن قراءة وقد تقدم .

                                                                                                                                            قوله : ( فقدموني ) فيه جواز إمامة الصبي ووجه الدلالة ما في قوله صلى الله عليه وسلم : { ليؤمكم أكثركم قرآنا } من العموم ، قال أحمد بن حنبل : ليس فيه اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم . وأجيب بأن إمامته بهم كانت حال نزول الوحي ، ولا يقع حاله التقرير لأحد من الصحابة على الخطأ ، ولذا استدل بحديث أبي سعيد وجابر : { كنا نعزل والقرآن ينزل } وأيضا الذين قدموا عمرو بن سلمة كانوا كلهم صحابة . قال ابن حزم : ولا نعلم لهم مخالفا كذا في الفتح .

                                                                                                                                            وقد ذهب إلى جواز إمامة الصبي الحسن وإسحاق والشافعي والإمام يحيى ، ومنع من صحتها الهادي والناصر والمؤيد بالله من أهل البيت ، وكرهها الشعبي والأوزاعي والثوري ومالك ، واختلفت الرواية عن أحمد وأبي حنيفة قال في الفتح : المشهور عنهما الإجزاء في النوافل دون الفرائض . وقد قيل : إن حديث عمرو المذكور كان في نافلة لا فريضة .

                                                                                                                                            ورد بأن قوله : " صلوا صلاة كذا في حين كذا ، وصلاة كذا في كذا " يدل على أن ذلك كان في فريضة . وأيضا قوله : { فإذا حضرت الصلاة فيؤذن لكم أحدكم } لا يحتمل غير الفريضة ; لأن النافلة [ ص: 198 ] لا يشرع لها الأذان . ومن جملة ما أجيب به عن حديث عمرو المذكور ما روي عن أحمد بن حنبل أنه كان يضعف أمر عمرو بن سلمة ، روى ذلك عنه الخطابي في المعالم . ورد بأن عمرو بن سلمة صحابي مشهور . قال في التقريب : صحابي صغير نزل بالبصرة ، قد روي ما يدل على أنه وفد على النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم . وأما القدح في الحديث بأن فيه كشف العورة في الصلاة وهو لا يجوز كما في ضوء النهار فهو من الغرائب .

                                                                                                                                            وقد ثبت أن الرجال كانوا يصلون عاقدي أزرهم ، ويقال للنساء : { لا ترفعن رءوسكن حتى يستوي الرجال جلوسا } ، زاد أبو داود : من ضيق الأزر قوله : ( وكانت علي بردة ) في رواية أبي داود : " وعلي بردة لي صغيرة " وفي أخرى : " كنت أؤمهم في بردة موصلة فيها فتق " . والبردة : كساء صغير مربع ، ويقال كساء أسود صغير وبه كني أبو بردة قوله : ( تقلصت عني ) في رواية أبي داود : " خرجت استي " وفي أخرى له : " تكشفت

                                                                                                                                            قوله : ( است قارئكم ) المراد هنا بالاست : العجز ، ويراد به حلقة الدبر قوله : ( فاشتروا فقطعوا لي قميصا ) لفظ أبي داود : " فاشتروا لي قميصا " قوله : ( من جرم ) بجيم مفتوحة وراء ساكنة وهم قومه . ومن جملة حجج القائلين بأن إمامة الصبي لا تصح لحديث : { رفع القلم عن ثلاثة } ورد بأن رفع القلم لا يستلزم عدم الصحة . ومن جملتها أن صلاته غير صحيحة ; لأن الصحة معناها : موافقة الأمر ، والصبي غير مأمور .

                                                                                                                                            ورد بمنع أن ذلك معناها ، بل معناها استجماع الأركان وشروط الصحة ، ولا دليل على أن التكليف منها . ومن جملتها أيضا أن العدالة شرط لما مر والصبي غير عدل . ورد بأن العدالة نقيض الفسق وهو غير فاسق ; لأن الفسق فرع تعلق الطلب ولا تعلق ، وانتفاء كون صلاته واجبة عليه لا يستلزم عدم صحة إمامته لما سيأتي من صحة صلاة المفترض خلف المتنفل . .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية