الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 268 ] باب من تجب عليه ومن لا تجب

                                                                                                                                            1182 - ( عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الجمعة على من سمع النداء } رواه أبو داود والدارقطني وقال فيه : { إنما الجمعة على من سمع النداء } ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث قال أبو داود في السنن : رواه جماعة عن سفيان مقصورا على عبد الله بن عمرو ولم يرفعوه وإنما أسنده قبيصة انتهى .

                                                                                                                                            وفي إسناده محمد بن سعيد الطائفي ، قال المنذري : وفيه مقال . وقال في التقريب : صدوق . وقال أبو بكر بن أبي داود : هو ثقة ، قال : وهذه سنة تفرد بها أهل الطائف انتهى وقد تفرد به محمد بن سعيد عن شيخه أبي سلمة ، وتفرد به أبو سلمة عن شيخه عبد الله بن هارون ، وقد ورد من حديث عبد الله بن عمرو من وجه آخر أخرجه الدارقطني من رواية الوليد عن زهير بن محمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا ، والوليد وزهير كلاهما من رجال الصحيح . قال العراقي : لكن زهيرا روى عن أهل الشام مناكير منهم الوليد ، والوليد مدلس وقد رواه بالعنعنة فلا يصح ورواه الدارقطني أيضا من رواية محمد بن الفضل بن عطية عن حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ومحمد بن الفضل ضعيف جدا ، والحجاج هو ابن أرطاة ، وهو مدلس مختلف في الاحتجاج به . ورواه أيضا البيهقي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا . والحديث يدل على أن الجمعة لا تجب إلا على من سمع النداء ، وإليه ذهب الشافعي وأحمد وإسحاق ، حكى ذلك الترمذي عنهم ، وحكاه ابن العربي عن مالك ، وروي ذلك عن عبد الله بن عمرو راوي الحديث .

                                                                                                                                            وحديث الباب وإن كان فيه المقال المتقدم فيشهد لصحته قوله تعالى: { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة } الآية . قال النووي في الخلاصة : إن البيهقي قال : له شاهد ، فذكره بإسناد جيد . قال العراقي : وفيه نظر . قال : ويغني عنه حديث أبي هريرة عند مسلم وغيره قال : { أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال : يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد ، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له ، فلما ولى دعاه فقال : هل تسمع النداء بالصلاة ؟ قال : نعم ، قال : فأجب } وروى نحوه أبو داود بإسناد حسن عن ابن أم مكتوم ، قال : فإذا كان هذا في مطلق الجماعة فالقول به في خصوصية الجمعة أولى والمراد بالنداء المذكور في الحديث هو النداء الواقع بين يدي الإمام في المسجد لأنه [ ص: 269 ] الذي كان في زمن النبوة لا الواقع على المنارات فإنه محدث كما سيأتي .

                                                                                                                                            وظاهره عدم وجوب الجمعة على من لم يسمع النداء ، سواء كان في البلد الذي تقام فيه الجمعة أو خارجه . وقد ادعى في البحر الإجماع على عدم اعتبار سماع النداء في موضعها واستدل لذلك بقوله : إذا لم تعتبره الآية ، وأنت تعلم أن الآية قد قيد الأمر بالسعي فيها بالنداء لما تقرر عند أئمة البيان من أن الشرط قيد لحكم الجزاء ، والنداء المذكور فيها يستوي فيه من في المصر الذي تقام فيه الجمعة ومن خارجه ، نعم إن صح الإجماع كان هو الدليل على عدم اعتبار سماع النداء لمن في موضع إقامة الجمعة عند من قال بحجية الإجماع .

                                                                                                                                            وقد حكى العراقي في شرح الترمذي عن الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل أنهم يوجبون الجمعة على أهل المصر وإن لم يسمعوا النداء . وقد اختلف أهل العلم فيمن كان خارجا عن البلد الذي تقام فيه الجمعة ، فقال عبد الله بن عمر وأبو هريرة وأنس والحسن وعطاء ونافع وعكرمة والحكم والأوزاعي والإمام يحيى إنها تجب على من يؤويه الليل إلى أهله ، والمراد أنه إذا جمع مع الإمام أمكنه العود إلى أهله آخر النهار وأول الليل .

                                                                                                                                            واستدلوا بما أخرجه الترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : الجمعة على من آواه الليل إلى أهله } قال الترمذي : وهذا إسناد ضعيف إنما يروى من حديث معارك بن عباد عن عبد الله بن سعيد المقبري ، وضعف يحيى بن سعيد القطان عبد الله بن سعيد المقبري في الحديث انتهى . وقال العراقي : إنه غير صحيح فلا حجة فيه . وذهب الهادي والناصر ومالك إلى أنها تلزم من سمع النداء بصوت الصيت من سور البلد .

                                                                                                                                            وقال عطاء : تلزم من على عشرة أميال . وقال الزهري : من على ستة أميال . وقال ربيعة : من على أربعة ، وروي عن مالك : ثلاثة .

                                                                                                                                            وروي عن الشافعي : فرسخ ، وكذلك روي عن أحمد . قال ابن قدامة : وهذا قول أصحاب الرأي .

                                                                                                                                            وروي في البحر عن زيد بن علي والباقر والمؤيد بالله وأبي حنيفة وأصحابه أنها لا تجب على من كان خارج البلد .

                                                                                                                                            وقد استدل بحديث الباب على أن الجمعة من فروض الكفايات حتى قال في ضوء النهار : إنه يدل على ذلك بلا شك ولا شبهة . ورد بأنه ليس في الحديث إلا أنها من فرائض الأعيان على سامع النداء فقط ، وليس فيه أنها فرض كفاية على من لم يسمع ، بل مفهومه يدل على أنها لا تجب عليه لا عينا ولا كفاية .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية