الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
العاشرة : الصلاة أصلها في اللغة الدعاء ، مأخوذة من صلى يصلي إذا دعا ; ومنه قوله عليه السلام : إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطرا فليطعم وإن كان صائما فليصل أي فليدع . وقال بعض العلماء : إن المراد الصلاة المعروفة ، فيصلي ركعتين وينصرف ، والأول أشهر وعليه من العلماء الأكثر . ولما ولدت أسماء عبد الله بن الزبير أرسلته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت أسماء : ثم مسحه وصلى عليه ، أي دعا له . وقال تعالى : وصل عليهم أي ادع لهم . وقال الأعشى :


تقول بنتي وقد قربت مرتحلا يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا     عليك مثل الذي صليت فاغتمضي
نوما فإن لجنب المرء مضطجعا



وقال الأعشى أيضا :


وقابلها الريح في دنها     وصلى على دنها وارتسم



ارتسم الرجل : كبر ودعا ، قاله في الصحاح ، وقال قوم : هي مأخوذة من الصلا وهو عرق في وسط الظهر ويفترق عند العجب فيكتنفه ، ومنه أخذ المصلي في سبق الخيل ; لأنه يأتي في الحلبة ورأسه عند صلوى السابق ، فاشتقت الصلاة منه ، إما لأنها جاءت ثانية للإيمان فشبهت [ ص: 165 ] بالمصلي من الخيل ، وإما لأن الراكع تثنى صلواه . والصلا : مغرز الذنب من الفرس ، والاثنان صلوان . والمصلي : تالي السابق ; لأن رأسه عند صلاه . وقال علي رضي الله عنه : سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى أبو بكر وثلث عمر . وقيل : هي مأخوذة من اللزوم ، ومنه صلي بالنار إذا لزمها ، ومنه تصلى نارا حامية . وقال الحارث بن عباد :


لم أكن من جناتها علم الله     وإني بحرها اليوم صال



أي ملازم لحرها ، وكأن المعنى على هذا ملازمة العبادة على الحد الذي أمر الله تعالى به . وقيل : هي مأخوذة من صليت العود بالنار إذا قومته ولينته بالصلاء . والصلاء : صلاء النار بكسر الصاد ممدود ، فإن فتحت الصاد قصرت ، فقلت صلا النار ، فكأن المصلي يقوم نفسه بالمعاناة فيها ويلين ويخشع ، قال الخارزنجي :


فلا تعجل بأمرك واستدمه     فما صلى عصاك كمستديم



والصلاة : الدعاء والصلاة : الرحمة ، ومنه : ( اللهم صل على محمد ) الحديث . والصلاة : العبادة ، ومنه قوله تعالى : وما كان صلاتهم عند البيت الآية ، أي عبادتهم . والصلاة : النافلة ، ومنه قوله تعالى : وأمر أهلك بالصلاة . والصلاة التسبيح ، ومنه قوله تعالى : فلولا أنه كان من المسبحين أي من المصلين . ومنه سبحة الضحى . وقد قيل في تأويل نسبح بحمدك نصلي . والصلاة : القراءة ، ومنه قوله تعالى : ولا تجهر بصلاتك فهي لفظ مشترك . والصلاة : بيت يصلى فيه ، قاله ابن فارس . وقد قيل : إن الصلاة اسم علم وضع لهذه العبادة ، فإن الله تعالى لم يخل زمانا من شرع ، ولم يخل شرع من صلاة ، حكاه أبو نصر القشيري .

قلت : فعلى هذا القول لا اشتقاق لها ، وعلى قول الجمهور وهي :

التالي السابق


الخدمات العلمية