الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 194 ] القول في تأويل قوله ( ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ( 110 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : ومن يعمل ذنبا ، وهو "السوء" أو يظلم نفسه بإكسابه إياها ما يستحق به عقوبة الله ثم يستغفر الله يقول : ثم يتوب إلى الله بإنابته مما عمل من السوء وظلم نفسه ، ومراجعته ما يحبه الله من الأعمال الصالحة التي تمحو ذنبه وتذهب جرمه يجد الله غفورا رحيما يقول : يجد ربه ساترا عليه ذنبه بصفحه له عن عقوبة جرمه ، رحيما به .

واختلف أهل التأويل فيمن عنى بهذه الآية .

فقال بعضهم : عنى بها الذين وصفهم الله بالخيانة بقوله : " ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم " .

وقال آخرون : بل عنى بها الذين كانوا يجادلون عن الخائنين ، الذين قال الله لهم : " ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا " ، وقد ذكرنا قائلي القولين كليهما فيما مضى .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا : أنه عنى بها كل من عمل سوءا أو ظلم نفسه ، وإن كانت نزلت في أمر الخائنين والمجادلين عنهم الذين ذكر الله أمرهم في الآيات قبلها . [ ص: 195 ]

وبنحو ما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

10422 - حدثني محمد بن المثنى قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن عاصم ، عن أبي وائل قال : قال عبد الله : كانت بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم ذنبا أصبح قد كتب كفارة ذلك الذنب على بابه . وإذا أصاب البول شيئا منه ، قرضه بالمقراض . فقال رجل : لقد آتى الله بني إسرائيل خيرا! فقال عبد الله : ما آتاكم الله خير مما آتاهم ، جعل الله الماء لكم طهورا وقال : ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ) [ سورة آل عمران : 135 ] ، وقال : " ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما " .

10423 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : حدثنا ابن عون ، عن حبيب بن أبي ثابت قال : جاءت امرأة إلى عبد الله بن مغفل ، فسألته عن امرأة فجرت فحبلت ، فلما ولدت قتلت ولدها؟ فقال ابن مغفل : ما لها؟ لها النار! فانصرفت وهي تبكي ، فدعاها ثم قال : ما أرى أمرك إلا أحد أمرين : " ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما " ، قال : فمسحت عينها ثم مضت .

10424 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : " ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما " [ ص: 196 ] ، قال : أخبر الله عباده بحلمه وعفوه وكرمه ، وسعة رحمته ومغفرته ، فمن أذنب ذنبا صغيرا كان أو كبيرا ، ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ، ولو كانت ذنوبه أعظم من السماوات والأرض والجبال .

التالي السابق


الخدمات العلمية