الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون ( 39 ) )

قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه : وقالت أولى كل أمة وملة سبقت في الدنيا ، لأخراها الذين جاءوا من بعدهم ، وحدثوا بعد زمانهم فيها ، فسلكوا سبيلهم واستنوا سنتهم : ( فما كان لكم علينا من فضل ) ، و قد علمتم ما حل بنا من عقوبة الله جل ثناؤه بمعصيتنا إياه وكفرنا بآياته ، بعدما جاءتنا وجاءتكم بذلك الرسل والنذر ، فهل أنبتم إلى طاعة الله ، وارتدعتم عن غوايتكم وضلالتكم؟ فانقضت حجة القوم وخصموا ولم يطيقوا جوابا بأن يقولوا : " فضلنا عليكم إذ اعتبرنا بكم فآمنا بالله وصدقنا رسله " ، قال الله لجميعهم : فذوقوا جميعكم ، أيها الكفرة ، عذاب [ ص: 420 ] جهنم ، بما كنتم في الدنيا تكسبون من الآثام والمعاصي ، وتجترحون من الذنوب والإجرام .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

14599 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا المعتمر قال ، سمعت عمران ، عن أبي مجلز : ( وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون ) ، قال : يقول : فما فضلكم علينا ، وقد بين لكم ما صنع بنا ، وحذرتم؟

14600 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل ، قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل ) ، فقد ضللتم كما ضللنا .

وكان مجاهد يقول في هذا بما : -

14601 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( فما كان لكم علينا من فضل ) ، قال : من التخفيف من العذاب .

14602 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( فما كان لكم علينا من فضل ) ، قال : من تخفيف .

وهذا القول الذي ذكرناه عن مجاهد ، قول لا معنى له لأن قول القائلين : [ ص: 421 ] " فما كان لكم علينا من فضل " لمن قالوا ذلك ، إنما هو توبيخ منهم على ما سلف منهم قبل تلك الحال ، يدل على ذلك دخول " كان " في الكلام . ولو كان ذلك منهم توبيخا لهم على قيلهم الذي قالوا لربهم : " فآتهم عذابا ضعفا من النار " ، لكان التوبيخ أن يقال : " فما لكم علينا من فضل ، في تخفيف العذاب عنكم ، وقد نالكم من العذاب ما قد نالنا " ، ولم يقل : " فما كان لكم علينا من فضل " .

التالي السابق


الخدمات العلمية