الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون ( 154 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " ولما سكت عن موسى الغضب " . ولما كف عنه وسكن . [ ص: 138 ]

وكذلك كل كاف عن شيء : "ساكت عنه" ، وإنما قيل للساكت عن الكلام "ساكت" ، لكفه عنه .

وقد ذكر عن يونس الجرمي أنه قال يقال : "سكت عنه الحزن" ، وكل شيء ، فيما زعم ، ومنه قول أبي النجم :


وهمت الأفعى بأن تسيحا وسكت المكاء أن يصيحا



"أخذ الألواح" ، يقول : أخذها بعد ما ألقاها ، وقد ذهب منها ما ذهب " وفي نسختها هدى ورحمة " ، يقول : وفيما نسخ فيها ، أي كتب فيها "هدى" بيان للحق " ورحمة للذين هم لربهم يرهبون " ، يقول : للذين يخافون الله ويخشون عقابه على معاصيه .

واختلف أهل العربية في وجه دخول "اللام" في قوله : " لربهم يرهبون " ، [ ص: 139 ] مع استقباح العرب أن يقال في الكلام : "رهبت لك" : بمعنى رهبتك "وأكرمت لك" ، بمعنى أكرمتك . فقال بعضهم : ذلك كما قال جل ثناؤه : ( إن كنتم للرؤيا تعبرون ) ، [ سورة يوسف : 43 ] ، أوصل الفعل باللام .

وقال بعضهم : من أجل ربهم يرهبون .

وقال بعضهم : إنما دخلت عقيب الإضافة : الذين هم راهبون لربهم ، وراهبو ربهم ثم أدخلت "اللام" على هذا المعنى ، لأنها عقيب الإضافة ، لا على التكليف .

وقال بعضهم : إنما فعل ذلك ، لأن الاسم تقدم الفعل ، فحسن إدخال "اللام" .

وقال آخرون : قد جاء مثله في تأخير الاسم في قوله : ( ردف لكم بعض الذي تستعجلون ) [ سورة النمل : 72 ] .

وذكر عن عيسى بن عمر أنه قال : سمعت الفرزدق يقول : "نقدت له مائة درهم" ، يريد : نقدته مائة درهم . قال : والكلام واسع .

التالي السابق


الخدمات العلمية