الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير )

قال أبو جعفر : يعني بقوله تعالى ذكره : ( والذين آمنوا ) . الذين صدقوا بالله ورسوله ( ولم يهاجروا ) . قومهم الكفار ، ولم يفارقوا دار الكفر إلى دار الإسلام ( ما لكم ) ، أيها المؤمنون بالله ورسوله . المهاجرون قومهم المشركين وأرض الحرب ( من ولايتهم ) ، يعني : من نصرتهم وميراثهم . [ ص: 82 ]

وقد ذكرت قول بعض من قال : "معنى الولاية ، ههنا الميراث" ، وسأذكر إن شاء الله من حضرني ذكره بعد .

( من شيء حتى يهاجروا ) ، قومهم ودورهم من دار الحرب إلى دار الإسلام ( وإن استنصروكم في الدين ) ، يقول : إن استنصركم هؤلاء الذين آمنوا ولم يهاجروا ( في الدين ) ، يعني : بأنهم من أهل دينكم على أعدائكم وأعدائهم من المشركين ، "فعليكم" ، أيها المؤمنون من المهاجرين والأنصار ، ( النصر ) ( إلا ) أن يستنصروكم ( على قوم بينكم وبينهم ميثاق ) ، يعني : عهد قد وثق به بعضكم على بعض أن لا يحاربه ( والله بما تعملون بصير ) ، يقول : والله بما تعملون فيما أمركم ونهاكم من ولاية بعضكم بعضا ، أيها المهاجرون والأنصار ، وترك ولاية من آمن ولم يهاجر ونصرتكم إياهم عند استنصاركم في الدين ، وغير ذلك من فرائض الله التي فرضها عليكم ( بصير ) ، يراه ويبصره ، فلا يخفى عليه من ذلك ولا من غيره شيء .

16338 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ) ، قال : كان المسلمون يتوارثون بالهجرة ، وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم ، فكانوا يتوارثون بالإسلام والهجرة . وكان الرجل يسلم ولا يهاجر ، لا يرث أخاه ، فنسخ ذلك قوله : ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين ) [ سورة الأحزاب : 6 ] .

16339 - حدثنا محمد قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزهري : أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ على رجل دخل في الإسلام فقال : [ ص: 83 ] تقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتحج البيت ، وتصوم رمضان ، وأنك لا ترى نار مشرك إلا وأنت حرب .

16340 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : ( وإن استنصروكم في الدين ) ، يعني : إن استنصركم الأعراب المسلمون ، أيها المهاجرون والأنصار ، على عدوهم ، فعليكم أن تنصروهم ، إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق .

16341 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : ترك النبي صلى الله عليه وسلم الناس يوم توفي على أربع منازل : مؤمن مهاجر ، والأنصار ، وأعرابي مؤمن لم يهاجر ، إن استنصره النبي صلى الله عليه وسلم نصره ، وإن تركه فهو إذنه ، وإن استنصر النبي صلى الله عليه وسلم في الدين كان حقا عليه أن ينصره ، فذلك قوله : ( وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر ) والرابعة : التابعون بإحسان .

16342 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ قال : حدثنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( إن الذين آمنوا وهاجروا ) ، إلى آخر السورة ، قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وترك الناس على أربع منازل : مؤمن مهاجر ، ومسلم أعرابي ، والذين آووا ونصروا ، والتابعون بإحسان . [ ص: 84 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية