الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله : ( يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين ( 123 ) )

قال أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - للمؤمنين به وبرسوله : " يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله ، قاتلوا من وليكم من الكفار دون من بعد منهم . يقول لهم : ابدءوا بقتال الأقرب فالأقرب إليكم دارا ، دون الأبعد فالأبعد . وكان الذين يلون المخاطبين بهذه الآية يومئذ ، الروم ؛ لأنهم كانوا سكان الشأم يومئذ ، والشأم كانت أقرب إلى المدينة من العراق . فأما بعد أن فتح الله على المؤمنين البلاد ، فإن الفرض على [ ص: 575 ] أهل كل ناحية قتال من وليهم من الأعداء دون الأبعد منهم ، ما لم يضطر إليهم أهل ناحية أخرى من نواحي بلاد الإسلام ، فإن اضطروا إليهم لزمهم عونهم ونصرهم ؛ لأن المسلمين يد على من سواهم .

ولصحة كون ذلك كذلك تأول كل من تأول هذه الآية أن معناها إيجاب الفرض على أهل كل ناحية قتال من وليهم من الأعداء .

ذكر الرواية بذلك :

17481 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن شبيب بن غرقدة البارقي ، عن رجل من بني تميم قال : سألت ابن عمر عن قتال الديلم قال : عليك بالروم .

17482 - حدثنا ابن بشار وأحمد بن إسحاق وسفيان بن وكيع قالوا : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان ، عن يونس عن الحسن : ( قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ) قال : الديلم .

17483 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن الربيع ، عن الحسن : أنه كان إذا سئل عن قتال الروم والديلم ، تلا هذه الآية : ( قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ) .

17484 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يعقوب قال : حدثنا عمران أخي قال : سألت جعفر بن محمد بن علي بن الحسين فقلت : ما ترى في قتال الديلم ؟ فقال : [ ص: 576 ] قاتلوهم ورابطوهم ؛ فإنهم من الذين قال الله : ( قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ) .

17485 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سفيان ، عن الربيع ، عن الحسن : أنه سئل عن الشأم والديلم فقال : ( قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ) : الديلم .

17486 - حدثني علي بن سهل قال : حدثنا الوليد قال : سمعت أبا عمرو وسعيد بن عبد العزيز يقولان : يرابط كل قوم ما يليهم من مسالحهم وحصونهم ، ويتأولان قول الله : ( قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ) .

17487 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ) قال : كان الذين يلونهم من الكفار العرب ، فقاتلهم حتى فرغ منهم . فلما فرغ قال الله : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) حتى بلغ ( وهم صاغرون ) [ سورة التوبة : 29 ] . قال : فلما فرغ من قتال من يليه من العرب أمره بجهاد أهل الكتاب . قال : وجهادهم أفضل الجهاد عند الله .

وأما قوله : ( وليجدوا فيكم غلظة ) فإن معناه : وليجد هؤلاء الكفار الذين تقاتلونهم ( فيكم ) أي : منكم شدة عليهم ( واعلموا أن الله مع المتقين ) يقول : وأيقنوا عند قتالكم إياهم أن الله معكم ، وهو ناصركم عليهم ، فإن اتقيتم الله وخفتموه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه ، فإن الله ناصر من اتقاه ومعينه .

التالي السابق


الخدمات العلمية