الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 234 ] [ القول في تأويل قوله تعالى : ( فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين ( 88 ) )

قال أبو جعفر : وفي الكلام متروك قد استغني بذكر ما ظهر عما حذف ، وذلك : فخرجوا راجعين إلى مصر حتى صاروا إليها ، فدخلوا على يوسف ( فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر ) ، أي الشدة من الجدب والقحط ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) . كما : -

19740 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : وخرجوا إلى مصر راجعين إليها ( ببضاعة مزجاة ) : أي قليلة ، لا تبلغ ما كانوا يتبايعون به ، إلا أن يتجاوز لهم فيها ، وقد رأوا ما نزل بأبيهم ، وتتابع البلاء عليه في ولده وبصره ، حتى قدموا على يوسف . فلما دخلوا عليه قالوا : ( يا أيها العزيز ) ، رجاء أن يرحمهم في شأن أخيهم ( مسنا وأهلنا الضر ) .

وعنى بقوله : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) بدراهم أو ثمن لا يجوز في ثمن الطعام إلا لمن يتجاوز فيها .

وأصل " الإزجاء " السوق بالدفع ، كما قال النابغة الذبياني :


وهبت الريح من تلقاء ذي أرل تزجي مع الليل من صرادها صرما

[ ص: 235 ]

يعني تسوق وتدفع ; ومنه قول أعشى بني ثعلبة :


الواهب المئة الهجان وعبدها     عوذا تزجي خلفها أطفالها



وقول حاتم :


ليبك على ملحان ضيف مدفع     وأرملة تزجي مع الليل أرملا



يعني أنها تسوقه بين يديها على ضعف منه عن المشي وعجز ; ولذلك قيل : ( ببضاعة مزجاة ) ، لأنها غير نافقة ، وإنما تجوز تجويزا على وضع من آخذيها .

وقد اختلف أهل التأويل في البيان عن تأويل ذلك ، وإن كانت معاني بيانهم متقاربة .

ذكر أقوال أهل التأويل في ذلك :

19741 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( ببضاعة مزجاة ) قال : ردية زيوف لا تنفق حتى يوضع منها .

19742 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا عمرو بن محمد العنقزي قال : حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال : الردية التي لا تنفق حتى يوضع منها . [ ص: 236 ]

19743 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عثمان بن أبي سليمان ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال : خلق الغرارة والحبل والشيء .

19744 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عثمان بن أبي سليمان ، عن ابن أبي مليكة قال : سمعت ابن عباس ، وسئل عن قوله : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال : رثة المتاع والحبل والغرارة والشيء .

19745 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عثمان بن أبي سليمان ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس ، مثله .

19746 - حدثنا محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال : " البضاعة " ، الدراهم ، و " المزجاة " غير طائل .

19747 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : أخبرنا هشيم ، عن ابن أبي زياد ، عمن حدثه ، عن ابن عباس قال : كاسدة غير طائل .

19748 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو بكر بن عياش قال : حدثنا أبو حصين ، عن سعيد بن جبير ، وعكرمة ، : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال سعيد : ناقصة وقال عكرمة : دراهم فسول . [ ص: 237 ]

19749 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير وعكرمة ، مثله .

19750 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير وعكرمة : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال أحدهما : ناقصة . وقال الآخر : ردية .

19751 - . . . وبه قال : حدثنا أبي عن سفيان ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحارث قال : كان سمنا وصوفا .

19752 - حدثنا الحسن قال : حدثنا علي بن عاصم ، عن يزيد بن أبي زياد قال : سأل رجل عبد الله بن الحارث وأنا عنده عن قوله : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال : قليلة ، متاع الأعراب : الصوف والسمن .

19753 - حدثنا إسحاق بن زياد القطان أبو يعقوب البصري ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق البلخي ، قال : حدثنا مروان بن معاوية الفزاري ، عن مروان بن عمرو العذري ، عن أبي إسماعيل ، عن أبي صالح ، في قوله : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال الصنوبر والحبة الخضراء .

19754 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن يزيد بن الوليد ، عن إبراهيم ، في قوله : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال : قليلة ، ألا تسمع إلى قوله : " فأوقر ركابنا " ، وهم يقرءون كذلك . [ ص: 238 ]

19755 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم ، أنه قال : ما أراها إلا القليلة ، لأنها في مصحف عبد الله : " وأوقر ركابنا " ، يعني قوله : " مزجاة " .

19756 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن القعقاع بن يزيد ، عن إبراهيم قال : قليلة ، ألم تسمع إلى قوله : " وأوقر ركابنا " ؟

19757 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، عن أبي بكر الهذلي ، عن سعيد بن جبير والحسن : بضاعة مزجاة قال سعيد : الردية وقال الحسن : القليلة .

19758 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن يزيد ، عن عبد الله بن الحارث قال : متاع الأعراب سمن وصوف .

19759 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن أبيه ، عن عطية قال : دراهم ليست بطائل .

19760 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( مزجاة ) ، قال : قليلة .

19761 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( مزجاة ) قال : قليلة .

19762 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

19763 - . . . قال : حدثنا قبيصة بن عقبة ، قال : حدثنا سفيان ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحارث : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) قال : شيء من صوف ، وشيء من سمن . [ ص: 239 ]

19764 - . . . قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن منصور ، عن الحسن قال : قليلة .

19765 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، عن ابن جريج ، عمن حدثه ، عن مجاهد : ( مزجاة ) قال : قليلة .

19766 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

19767 - . . . قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن عكرمة قال : ناقصة وقال سعيد بن جبير : فسول .

19768 - . . . قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن أبي بكر ، عن سعيد بن جبير : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال : ردية .

19769 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك قال : كاسدة لا تنفق .

19770 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك قال : كاسدة .

19771 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبدة ، عن جويبر ، عن الضحاك قال : كاسدة غير طائل .

19772 - حدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( ببضاعة مزجاة ) ، يقول : كاسدة غير نافقة .

19773 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال الناقصة وقال عكرمة : فيها تجوز . [ ص: 240 ]

19774 - . . . قال : حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : الدراهم الردية التي لا تجوز إلا بنقصان .

19775 - . . . قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد قال : الدراهم الرذال ، التي لا تجوز إلا بنقصان .

19776 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال : دراهم فيها جواز .

19777 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) : ، أي : يسيرة .

19778 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .

19779 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) قال : " المزجاة " ، القليلة .

19780 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) : ، أي قليلة لا تبلغ ما كنا نشتري به منك ، إلا أن تتجاوز لنا فيها .

وقوله : ( فأوف لنا الكيل ) . . . . . بها وأعطنا بها ما كنت تعطينا [ ص: 241 ] قبل بالثمن الجيد والدراهم الجائزة الوافية التي لا ترد ، كما : -

19781 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : ( فأوف لنا الكيل ) : ، أي أعطنا ما كنت تعطينا قبل ، فإن بضاعتنا مزجاة .

19782 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي : ( فأوف لنا الكيل ) قال : كما كنت تعطينا بالدراهم الجياد .

وقوله : ( وتصدق علينا ) يقول تعالى ذكره : قالوا : وتفضل علينا بما بين سعر الجياد والردية ، فلا تنقصنا من سعر طعامك لردي بضاعتنا ( إن الله يجزي المتصدقين ) ، يقول : إن الله يثيب المتفضلين على أهل الحاجة بأموالهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

19783 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي : ( وتصدق علينا ) ، قال : تفضل بما بين الجياد والردية .

19784 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن أبي بكر ، عن سعيد بن جبير : ( فأوف لنا الكيل وتصدق علينا ) ، لا تنقصنا من السعر من أجل ردي دراهمنا .

واختلفوا في الصدقة ، هل كانت حلالا للأنبياء قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، أو كانت حراما؟

فقال بعضهم : لم تكن حلالا لأحد من الأنبياء عليهم السلام .

ذكر من قال ذلك :

19785 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن أبي بكر ، عن سعيد بن جبير قال : ما سأل نبي قط الصدقة ، ولكنهم قالوا : [ ص: 242 ] ( جئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا ) ، لا تنقصنا من السعر .

وروي عن ابن عيينة ما : -

19786 - حدثني به الحارث ، قال : حدثنا القاسم قال : يحكى عن سفيان بن عيينة أنه سئل : هل حرمت الصدقة على أحد من الأنبياء قبل النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال : ألم تسمع قوله : ( فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين ) .

قال الحارث : قال القاسم : يذهب ابن عيينة إلى أنهم لم يقولوا ذلك إلا والصدقة لهم حلال ، وهم أنبياء ، فإن الصدقة إنما حرمت على محمد صلى الله عليه وسلم ، وعليهم .

وقال آخرون : إنما عنى بقوله : ( وتصدق علينا ) وتصدق علينا برد أخينا إلينا .

ذكر من قال ذلك :

19787 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : ( وتصدق علينا ) قال : رد إلينا أخانا .

قال أبو جعفر : وهذا القول الذي ذكرناه عن ابن جريج ، وإن كان قولا له وجه ، فليس بالقول المختار في تأويل قوله : ( وتصدق علينا ) لأن " الصدقة " في متعارف [ العرب ] ، إنما هي إعطاء الرجل ذا حاجة بعض أملاكه ابتغاء ثواب الله [ ص: 243 ] عليه ، وإن كان كل معروف صدقة ، فتوجيه تأويل كلام الله إلى الأغلب من معناه في كلام من نزل القرآن بلسانه أولى وأحرى .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال مجاهد .

19788 - حدثني الحارث ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا مروان بن معاوية ، عن عثمان بن الأسود ، قال : سمعت مجاهدا ، وسئل : هل يكره أن يقول الرجل في دعائه : اللهم تصدق علي؟ فقال : نعم ، إنما الصدقة لمن يبغي الثواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية