الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ( 14 ) )

يقول تعالى ذكره : والذي فعل هذه الأفعال بكم ، وأنعم عليكم ، أيها الناس هذه النعم ، الذي سخر لكم البحر ، وهو كل نهر ، ملحا ماؤه أو عذبا ( لتأكلوا منه لحما طريا ) وهو السمك الذي يصطاد منه . ( وتستخرجوا منه حلية تلبسونها ) وهو اللؤلؤ والمرجان .

كما حدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : أخبرنا هشام ، عن [ ص: 181 ] عمرو ، عن سعيد ، عن قتادة ، في قوله ( وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا ) قال : منهما جميعا . ( وتستخرجوا منه حلية تلبسونها ) قال : هذا اللؤلؤ .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( لتأكلوا منه لحما طريا ) يعني حيتان البحر .

حدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : ثنا حماد ، عن يحيى ، قال : ثنا إسماعيل بن عبد الملك ، قال : جاء رجل إلى أبي جعفر ، فقال : هل في حلي النساء صدقة؟ قال : لا هي كما قال الله تعالى ( حلية تلبسونها وترى الفلك ) يعني السفن ، ( مواخر فيه ) وهي جمع ماخرة .

وقد اختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( مواخر ) فقال بعضهم : المواخر : المواقر .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا عمرو بن موسى القزاز ، قال : ثنا عبد الوارث ، قال : ثنا يونس ، عن الحسن ، في قوله ( وترى الفلك مواخر فيه ) قال : المواقر .

وقال آخرون في ذلك ما حدثنا به عبد الرحمن بن الأسود ، قال : ثنا محمد بن ربيعة ، عن أبي بكر الأصم ، عن عكرمة ، في قوله ( وترى الفلك مواخر فيه ) قال : ما أخذ عن يمين السفينة وعن يسارها من الماء ، فهو المواخر .

حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن أبي مكين ، عن عكرمة ، في قوله ( وترى الفلك مواخر فيه ) قال : هي السفينة تقول بالماء هكذا ، يعني تشقه .

وقال آخرون فيه ما حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو أسامة ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح ( وترى الفلك مواخر فيه ) قال : تجري فيه متعرضة .

وقال آخرون فيه ، بما حدثني به محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وترى الفلك مواخر فيه ) قال : تمخر السفينة الرياح ، ولا تمخر الريح من السفن إلا الفلك العظام .

حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء وحدثني المثنى ، قال : أخبرنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل وحدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، [ ص: 182 ] قال : ثنا عبد الله عن ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد نحوه ، غير أن الحارث قال في حديثه : ولا تمخر الرياح من السفن .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، نحوه .

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( مواخر ) قال : تمخر الريح .

وقال آخرون فيه ، ما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وترى الفلك مواخر فيه ) تجري بريح واحدة ، مقبلة ومدبرة .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : تجري مقبلة ومدبرة بريح واحدة .

حدثنا المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : ثنا يحيى بن سعيد ، عن يزيد بن إبراهيم ، قال : سمعت الحسن ( وترى الفلك مواخر فيه ) قال : مقبلة ومدبرة بريح واحدة ، والمخر في كلام العرب : صوت هبوب الريح ، إذا اشتد هبوبها ، وهو في هذا الموضع : صوت جري السفينة بالريح إذا عصفت وشقها الماء حينئذ بصدرها ، يقال منه : مخرت السفينة تمخر مخرا ومخورا ، وهي ماخرة ، ويقال : امتخرت الريح وتمخرتها : إذا نظرت من أين هبوبها وتسمعت صوت هبوبها ، ومنه قول واصل مولى ابن عيينة . كان يقال : إذا أراد أحدكم البول فليتمخر الريح ، يريد بذلك : لينظر من أين مجراها وهبوبها ليستدبرها فلا ترجع عليه البول وترده عليه .

وقوله : ( ولتبتغوا من فضله ) يقول تعالى ذكره : ولتتصرفوا في طلب معايشكم بالتجارة سخر لكم .

كما حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( ولتبتغوا من فضله ) قال : تجارة البر والبحر .

وقوله : ( ولعلكم تشكرون ) يقول : ولتشكروا ربكم على ما أنعم به عليكم من ذلك سخر لكم ما سخر من هذه الأشياء التي عددها في هذه الآيات .

التالي السابق


الخدمات العلمية