الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون ( 17 ) وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم ( 18 ) )

يقول تعالى ذكره لعبدة الأوثان والأصنام : أفمن يخلق هذه الخلائق العجيبة التي عددناها عليكم وينعم عليكم هذه النعم العظيمة ، كمن لا يخلق شيئا ولا ينعم عليكم نعمة صغيرة ولا كبيرة؟ يقول : أتشركون هذا في عبادة هذا؟ يعرفهم بذلك عظم جهلهم ، وسوء نظرهم لأنفسهم ، وقلة شكرهم لمن أنعم عليهم بالنعم التي عددها عليهم ، التي لا يحصيها أحد غيره ، قال لهم جل ثناؤه [ ص: 187 ] موبخهم ( أفلا تذكرون ) أيها الناس يقول : أفلا تذكرون نعم الله عليكم ، وعظيم سلطانه وقدرته على ما شاء ، وعجز أوثانكم وضعفها ومهانتها ، وأنها لا تجلب إلى نفسها نفعا ولا تدفع عنها ضرا ، فتعرفوا بذلك خطأ ما أنتم عليه مقيمون من عبادتكموها وإقراركم لها بالألوهة؟

كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون ) والله هو الخالق الرازق ، وهذه الأوثان التي تعبد من دون الله تخلق ولا تخلق شيئا ، ولا تملك لأهلها ضرا ولا نفعا ، قال الله ( أفلا تذكرون ) . وقيل ( كمن لا يخلق ) هو الوثن والصنم ، و"من" لذوي التمييز خاصة ، فجعل في هذا الموضع لغيرهم للتمييز ، إذ وقع تفصيلا بين من يخلق ومن لا يخلق ، ومحكي عن العرب : اشتبه علي الراكب وجمله ، فما أدرى من ذا ومن ذا ، حيث جمعا ، وأحدهما إنسان حسنت من فيهما جميعا . ومنه قول الله عز وجل ( فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع ) وقوله : ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) لا تطيقوا أداء شكرها ، ( إن الله لغفور رحيم ) يقول جل ثناؤه : إن الله لغفور لما كان منكم من تقصير في شكر بعض ذلك إذا تبتم وأنبتم إلى طاعته واتباع مرضاته ، رحيم بكم أن يعذبكم عليه بعد الإنابة إليه والتوبة .

التالي السابق


الخدمات العلمية