الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون )

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واصبر يا محمد على ما أصابك من أذى في الله . ( وما صبرك إلا بالله ) يقول : وما صبرك إن صبرت إلا بمعونة الله ، وتوفيقه إياك لذلك ( ولا تحزن عليهم ) يقول : ولا تحزن على هؤلاء المشركين الذين يكذبونك وينكرون ما جئتهم به في آن ولوا عنك وأعرضوا عما أتيتهم به من النصيحة ( ولا تك في ضيق مما يمكرون ) يقول : ولا يضق صدرك بما يقولون من الجهل ، ونسبتهم ما جئتهم به إلى أنه سحر أو [ ص: 326 ] شعر أو كهانة ، مما يمكرون : مما يحتالون بالخدع في الصد عن سبيل الله ، من أراد الإيمان بك ، والتصديق بما أنزل الله إليك .

واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء العراق ( ولا تك في ضيق ) بفتح الضاد في الضيق على المعنى الذي وصفت من تأويله . وقرأه بعض قراء أهل المدينة ( ولا تك في ضيق ) بكسر الضاد .

وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندنا قراءة من قرأه في ضيق ، بفتح الضاد ، لأن الله تعالى إنما نهى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يضيق صدره مما يلقى من أذى المشركين على تبليغه إياهم وحي الله وتنزيله ، فقال له ( فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به ) وقال : ( فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير ) ، وإذ كان ذلك هو الذي نهاه تعالى ذكره ، ففتح الضاد هو الكلام المعروف من كلام العرب في ذلك المعنى ، تقول العرب : في صدري من هذا الأمر ضيق ، وإنما تكسر الضاد في الشيء المعاش ، وضيق المسكن ، ونحو ذلك ; فإن وقع الضيق بفتح الضاد في موضع الضيق بالكسر . كان على الذي يتسع أحيانا ، ويضيق من قلة أحد وجهين ، إما على جمع الضيقة ، كما قال أعشى بني ثعلبة :


فلئن ربك من رحمته كشف الضيقة عنا وفسح



والآخر على تخفيف الشيء الضيق ، كما يخفف الهين اللين ، فيقال : هو هين لين .

التالي السابق


الخدمات العلمية