الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا ( 40 ) أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا ( 41 ) )

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل المؤمن الموقن للمعاد إلى الله للكافر المرتاب في قيام الساعة : إن ترن أيها الرجل أنا أقل منك مالا وولدا في الدنيا ، فعسى ربي أن يرزقني خيرا من بستانك هذا ( ويرسل عليها ) يعني على جنة الكافر التي قال لها : ما أظن أن تبيد هذه أبدا ( حسبانا من السماء ) يقول : عذابا من السماء ترمي به رميا ، وتقذف . والحسبان : جمع حسبانة ، وهي المرامي .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ويرسل عليها حسبانا من السماء ) عذابا .

حدثت عن محمد بن يزيد ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : عذابا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( ويرسل عليها حسبانا من السماء ) قال : عذابا ، قال : الحسبان : قضاء من الله يقضيه .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : الحسبان : العذاب .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله ( حسبانا من السماء ) قال : عذابا .

وقوله : ( فتصبح صعيدا زلقا ) يقول عز ذكره : فتصبح جنتك هذه أيها الرجل أرضا ملساء لا شيء فيها ، قد ذهب كل ما فيها من غرس ونبت ، وعادت [ ص: 26 ] خرابا بلاقع ، زلقا ، لا يثبت في أرضها قدم لا ملساسها ، ودروس ما كان نابتا فيها .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( فتصبح صعيدا زلقا ) : أي قد حصد ما فيها فلم يترك فيها شيء .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : ( فتصبح صعيدا زلقا ) قال : مثل الجرز .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال ابن زيد ، في قوله : ( فتصبح صعيدا زلقا ) قال : صعيدا زلقا وصعيدا جرزا واحد ليس فيها شيء من النبات .

وقوله : ( أو يصبح ماؤها غورا ) يقول : أو يصبح ماؤها غائرا ، فوضع الغور وهو مصدر مكان الغائر ، كما قال الشاعر :


تظل جياده نوحا عليه مقلدة أعنتها صفونا



بمعنى نائحة ، وكما قال الآخر :


هريقي من دموعهما سجاما     ضباع وجاوبي نوحا قياما



والعرب توحد الغور مع الجمع والاثنين ، وتذكر مع المذكر والمؤنث ، تقول : ماء غور ، وماءان غور ومياه غور .

ويعني بقوله : ( غورا ) ذاهبا قد غار في الأرض ، فذهب فلا تلحقه الرشاء . [ ص: 27 ]

كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( أو يصبح ماؤها غورا ) أي ذاهبا قد غار في الأرض .

وقوله : ( فلن تستطيع له طلبا ) يقول : فلن تطيق أن تدرك الماء الذي كان في جنتك بعد غوره ، بطلبك إياه .

التالي السابق


الخدمات العلمية