الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ( 11 ) )

يقول تعالى ذكره : فخرج زكريا على قومه من مصلاه حين حبس لسانه عن كلام الناس ، آية من الله له على حقيقة وعده إياه ما وعد . فكان ابن جريج يقول في معنى خروجه من محرابه ، ما حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ( فخرج على قومه من المحراب ) قال : أشرف على قومه من المحراب .

قال أبو جعفر : وقد بينا معنى المحراب فيما مضى قبل ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( فخرج على قومه من المحراب ) قال : المحراب : مصلاه ، وقرأ : ( فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب )

وقوله : ( فأوحى إليهم ) يقول : أشار إليهم ، وقد تكون تلك الإشارة باليد وبالكتاب وبغير ذلك ، مما يفهم به عنه ما يريد . وللعرب في ذلك لغتان : وحى ، وأوحى فمن قال : وحى ، قال في يفعل : يحي; ومن قال : أوحى ، قال : يوحي ، وكذلك أومى وومى ، فمن قال : ومى ، قال في يفعل يمي; ومن قال أومى ، قال يومي .

واختلف أهل التأويل في المعنى الذي به أوحى إلى قومه ، فقال بعضهم : أوحى إليهم إشارة باليد .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( فأوحى ) : فأشار زكريا .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله . [ ص: 154 ]

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عمن لا يتهم ، عن وهب بن منبه ( فأوحى إليهم ) قال : الوحي : الإشارة .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ( فأوحى إليهم ) قال : أومى إليهم .

وقال آخرون : معنى أوحى : كتب .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمود بن خداش ، قال : ثنا عباد بن العوام ، عن سفيان بن حسين ، عن الحكم ، عن مجاهد ، في قول الله تعالى ( فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ) قال : كتب لهم في الأرض .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن ابن أبي ليلى ، عن الحكم ( فأوحى إليهم ) قال : كتب لهم .

حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ( فخرج على قومه من المحراب ) فكتب لهم في كتاب ( أن سبحوا بكرة وعشيا ) ، وذلك قوله ( فأوحى إليهم )

وقال آخرون : معنى ذلك : أمرهم .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ) قال : ما أدري كتابا كتبه لهم ، أو إشارة أشارها ، والله أعلم ، قال : أمرهم أن سبحوا بكرة وعشيا ، وهو لا يكلمهم .

وقوله ( أن سبحوا بكرة وعشيا ) قد بينت فيما مضى الوجوه التي ينصرف فيها التسبيح ، وقد يجوز في هذا الموضع أن يكون عنى به التسبيح الذي هو ذكر الله ، فيكون أمرهم بالفراغ لذكر الله في طرفي النهار بالتسبيح ، ويجوز أن يكون عنى به الصلاة ، فيكون أمرهم بالصلاة في هذين الوقتين .

وكان قتادة يقول في قوله ( فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ) قال : أومى إليهم أن صلوا بكرة وعشيا .

التالي السابق


الخدمات العلمية