الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 403 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى ( 131 ) )

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ولا تنظر إلى ما جعلنا لضرباء هؤلاء المعرضين عن آيات ربهم وأشكالهم متعة في حياتهم الدنيا يتمتعون بها ، من زهرة عاجل الدنيا ونضرتها ( لنفتنهم فيه ) يقول : لنختبرهم فيما متعناهم به من ذلك ، ونبتليهم ، فإن ذلك فان زائل ، وغرور وخدع تضمحل ( ورزق ربك ) الذي وعدك أن يرزقكه في الآخرة حتى ترضى ، وهو ثوابه إياه ( خير ) لك مما متعناهم به من زهرة الحياة الدنيا ( وأبقى ) يقول : وأدوم ، لأنه لا انقطاع له ولا نفاد ، وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى يهودي يستسلف منه طعاما ، فأبى أن يسلفه إلا برهن .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع قال : ثنا أبي ، عن موسى بن عبيدة عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي رافع قال : أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يهودي يستسلفه ، فأبى أن يعطيه إلا برهن ، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله ( ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا ) .

حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثنا محمد بن كثير عن عبد الله بن واقد عن يعقوب بن يزيد عن أبي رافع قال : نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ضيف ، فأرسلني إلى يهودي بالمدينة يستسلفه ، فأتيته ، فقال : لا أسلفه إلا برهن ، فأخبرته بذلك ، فقال : إني لأمين في أهل السماء وفي أهل الأرض ، فاحمل درعي إليه ، فنزلت ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ) وقوله ( ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا ) إلى قوله ( والعاقبة للتقوى ) ويعني بقوله : ( أزواجا منهم ) رجالا منهم [ ص: 404 ] أشكالا ، وبزهرة الحياة الدنيا زينة الحياة الدنيا .

كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله ( زهرة الحياة الدنيا ) : أي زينة الحياة الدنيا ، ونصب زهرة الحياة الدنيا على الخروج من الهاء التي في قوله به من ( متعنا به ) ، كما يقال : مررت به الشريف الكريم ، فنصب الشريف الكريم على فعل مررت ، وكذلك قوله ( إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا ) تنصب على الفعل بمعنى : متعناهم به زهرة في الحياة الدنيا وزينة لهم فيها ، وذكر الفراء أن بعض بني فقعس أنشده :


أبعد الذي بالسفح سفح كواكب رهينة رمس من تراب وجندل



فنصب رهينة على الفعل من قوله : " أبعد الذي بالسفح " ، وهذا لا شك أنه أضعف في العمل نصبا من قوله ( متعنا به أزواجا منهم ) لأن العامل في الاسم وهو رهينة حرف خافض لا ناصب .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . [ ص: 405 ] ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله : ( لنفتنهم فيه ) قال : لنبتليهم فيه ( ورزق ربك خير وأبقى ) مما متعنا به هؤلاء من هذه الدنيا .

التالي السابق


الخدمات العلمية