الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ( 96 ) )

يقول تعالى ذكره : حتى إذا فتح عن يأجوج ومأجوج ، وهما أمتان من الأمم ردمهما .

كما حدثني عصام بن داود بن الجراح ، قال : ثني أبي ، قال : ثنا سفيان بن سعيد الثوري ، قال : ثنا منصور بن المعتمر ، عن ربعي بن حراش ، قال : سمعت حذيفة بن اليمان يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أول الآيات : الدجال ، ونزول عيسى ، ونار تخرج من قعر عدن أبين ، تسوق الناس إلى المحشر ، تقيل معهم إذا قالوا ، والدخان ، والدابة ، ثم يأجوج ومأجوج . قال حذيفة : قلت : يا رسول الله ، وما يأجوج ومأجوج ؟ قال : يأجوج ومأجوج أمم كل أمة أربعمائة ألف ، لا يموت الرجل منهم حتى يرى ألف عين تطرف بين يديه من صلبه ، وهم ولد آدم ، فيسيرون إلى خراب الدنيا ، يكون مقدمتهم بالشام وساقتهم بالعراق ، فيمرون بأنهار الدنيا ، فيشربون الفرات والدجلة وبحيرة الطبرية حتى يأتوا بيت المقدس ، فيقولون قد قتلنا أهل الدنيا [ ص: 527 ] فقاتلوا من في السماء ، فيرمون بالنشاب إلى السماء ، فترجع نشابهم مخضبة بالدم ، فيقولون قد قتلنا من في السماء ، وعيسى والمسلمون بجبل طور سينين ، فيوحي الله جل جلاله إلى عيسى : أن أحرز عبادي بالطور وما يلي أيلة ، ثم إن عيسى يرفع رأسه إلى السماء ويؤمن المسلمون ، فيبعث الله عليهم دابة يقال لها النغف ، تدخل من مناخرهم فيصبحون موتى من حاق الشام إلى حاق العراق ، حتى تنتن الأرض من جيفهم ، ويأمر الله السماء فتمطر كأفواه القرب ، فتغسل الأرض من جيفهم ونتنهم ، فعند ذلك طلوع الشمس من مغربها " .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قال : إن يأجوج ومأجوج يزيدون على سائر الإنس الضعف ، وإن الجن يزيدون على الإنس الضعف ، وإن يأجوج ومأجوج رجلان اسمهما يأجوج ومأجوج .

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة عن أبي إسحاق ، قال : سمعت وهب بن جابر يحدث ، عن عبد الله بن عمرو أنه قال : إن يأجوج ومأجوج يمر أولهم بنهر مثل دجلة ، ويمر آخرهم فيقول : قد كان في هذا مرة ماء ، لا يموت رجل منهم إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا ، وقال : من بعدهم ثلاث أمم لا يعلم عددهم إلا الله : تأويل ، وتاريس ، وناسك أو منسك ، شك شعبة .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن وهب بن جابر الخيواني ، قال : سألت عبد الله بن عمرو ، عن يأجوج ومأجوج ، أمن بني آدم هم ؟ قال : نعم ، ومن بعدهم ثلاث أمم لا يعلم عددهم إلا الله ، تاريس ، وتأويل ، ومنسك .

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا سهل بن حماد أبو عتاب ، قال : ثنا شعبة عن النعمان بن سالم قالا سمعت نافع بن جبير بن مطعم يقول : قال عبد الله بن عمرو : يأجوج ومأجوج لهم أنهار يلقمون ما شاءوا ، ونساء يجامعون ما شاءوا ، وشجر يلقمون ما شاءوا ، ولا يموت رجل إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا .

[ ص: 528 ] حدثنا محمد بن عمارة ، قال : ثنا عبد الله بن موسى ، قال : أخبرنا زكريا ، عن عامر ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله بن سلام ، قال : ما مات أحد من يأجوج ومأجوج إلا ترك ألف ذرء فصاعدا .

حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي ، قال : ثنا أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن الأعمش ، عن عطية ، قال : قال أبو سعيد : يخرج يأجوج ومأجوج فلا يتركون أحدا إلا قتلوه ، إلا أهل الحصون ، فيمرون على البحيرة فيشربونها ، فيمر المار فيقول : كأنه كان هاهنا ماء ، قال : فبعث الله عليهم النغف حتى يكسر أعناقهم فيصيروا خبالا فتقول أهل الحصون : لقد هلك أعداء الله ، فيدلون رجلا لينظر ، ويشترط عليهم إن وجدهم أحياء أن يرفعوه ، فيجدهم قد هلكوا ، قال : فينزل الله ماء من السماء فيقذفهم في البحر ، فتطهر الأرض منهم ، ويغرس الناس بعدهم الشجر والنخل ، وتخرج الأرض ثمرتها كما كانت تخرج في زمن يأجوج ومأجوج .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة عن عبيد الله بن أبي يزيد ، قال : رأى ابن عباس صبيانا ينزو بعضهم على بعض يلعبون ، فقال ابن عباس : هكذا يخرج يأجوج ومأجوج .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا الحكم ، قال : ثنا عمرو بن قيس ، قال : بلغنا أن ملكا دون الردم يبعث خيلا كل يوم يحرسون الردم لا يأمن يأجوج ومأجوج أن تخرج عليهم ، قال : فيسمعون جلبة وأمرا شديدا .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن أبي إسحاق ، أن عبد الله بن عمرو ، قال : ما يموت الرجل من يأجوج ومأجوج حتى يولد له من صلبه ألف ، وإن من ورائهم لثلاث أمم ما يعلم عددهم إلا الله : منسك ، وتأويل ، وتاريس .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، عن عمرو البكالي ، قال : إن الله جزأ الملائكة والإنس والجن عشرة أجزاء فتسعة منهم الكروبيون وهم الملائكة الذي يحملون العرش ، ثم هم أيضا الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون ، قال : ومن بقي من الملائكة لأمر الله ووحيه ورسالته ، ثم جزأ الإنس والجن عشرة أجزاء ، فتسعة منهم الجن ، لا يولد من [ ص: 529 ] الإنس ولد إلا ولد من الجن تسعة ، ثم جزأ الإنس على عشرة أجزاء ، فتسعة منهم يأجوج ومأجوج ، وسائر الإنس جزء .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج قوله ( حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج ) قال : أمتان من وراء ردم ذي القرنين .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن غير واحد ، عن حميد بن هلال ، عن أبي الصيف ، قال : قال كعب : إذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج حفروا حتى يسمع الذين يلونهم قرع فئوسهم ، فإذا كان الليل قالوا : نجيء غدا فنخرج ، فيعيدها الله كما كانت ، فيجيئون من الغد فيجدونه قد أعاده الله كما كان ، فيحفرونه حتى يسمع الذين يلونهم قرع فئوسهم ، فإذا كان الليل ألقى الله على لسان رجل منهم يقول : نجيء غدا فنخرج إن شاء الله ، فيجيئون من الغد فيجدونه كما تركوه ، فيحفرون ثم يخرجون ، فتمر الزمرة الأولى بالبحيرة فيشربون ماءها ، ثم تمر الزمرة الثانية فيلحسون طينها ، ثم تمر الزمرة الثالثة فيقولون : قد كان هاهنا مرة ماء - وتفر الناس منهم ، فلا يقوم لهم شيء ، يرمون بسهامهم إلى السماء ، فترجع مخضبة بالدماء ، فيقولون : غلبنا أهل الأرض وأهل السماء ، فيدعو عليهم عيسى ابن مريم ، فيقول : اللهم لا طاقة ولا يدين لنا بهم ، فاكفناهم بما شئت ، فيسلط الله عليهم دودا يقال له النغف ، فتفرس رقابهم ، ويبعث الله عليهم طيرا فتأخذهم بمناقرها فتلقيهم في البحر ، ويبعث الله عينا يقال لها الحياة تطهر الأرض منهم وتنبتها ، حتى إن الرمانة ليشبع منها السكن ، قيل : وما السكن يا كعب ؟ قال : أهل البيت ، قال : فبينا الناس كذلك ، إذ أتاهم الصريخ أن ذا السويقتين يريده ، فيبعث عيسى طليعة سبعمائة ، أو بين السبعمائة والثمانمائة ، حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله ريحا يمانية طيبة ، فيقبض الله فيها روح كل مؤمن ، ثم يبقى عجاج من الناس يتسافدون كما تتسافد البهائم ، فمثل الساعة كمثل رجل يطيف حول فرسه ينتظرها متى تضع ، فمن تكلف بعد قولي هذا شيئا أو على هذا شيئا فهو المتكلف .

حدثنا العباس بن الوليد البيروتي ، قال : أخبرني أبي ، قال : سمعت ابن جابر ، قال : ثني محمد بن جابر الطائي ثم الحمصي ، ثني عبد الرحمن بن جبير [ ص: 530 ] بن نفير الحضرمي ، قال : ثني أبي أنه سمع النواس بن سمعان الكلابي يقول : " ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ، وذكر أمره ، وأن عيسى ابن مريم يقتله ، ثم قال : فبينا هو كذلك ، أوحى الله إليه : يا عيسى ، إني قد أخرجت عبادا لي لا يد لأحد بقتالهم ، فحرز عبادي إلى الطور ، فيبعث الله يأجوج ومأجوج ، وهم من كل حدب ينسلون ، فيمر أحدهم على بحيرة طبرية ، فيشربون ما فيها ، ثم ينزل آخرهم ، ثم يقول : لقد كان بهذه ماء مرة ، فيحاصر نبي الله عيسى وأصحابه ، حتى يكون رأس الثور يومئذ خيرا لأحدهم من مائة دينار لأحدكم ، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله ، فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم ، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة ، فيهبط نبي الله عيسى وأصحابه ، فلا يجدون موضعا إلا قد ملأه زهمهم ونتنهم ودماؤهم ، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله ، فيرسل عليهم طيرا كأعناق البخت ، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله ، ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر ، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة .

وأما قوله ( وهم من كل حدب ينسلون ) فإن أهل التأويل اختلفوا في المعني به ، فقال بعضهم : عني بذلك بنو آدم أنهم يخرجون من كل موضع كانوا دفنوا فيه من الأرض ، وإنما عني بذلك الحشر إلى موقف الناس يوم القيامة .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله ( من كل حدب ينسلون ) قال : جمع الناس من كل مكان جاءوا منه يوم القيامة ، فهو حدب .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنى حجاج ، عن ابن جريح ( وهم من كل حدب ينسلون ) ، قال ابن جريج : قال مجاهد : جمع الناس من كل حدب من مكان جاءوا منه يوم القيامة فهو حدب .

وقال آخرون : بل عنى بذلك يأجوج ومأجوج وقوله : وهم كناية أسمائهم .

ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، [ ص: 531 ] قال : ثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، قال : ثنا أبو الزعراء عن عبد الله أنه قال : يخرج يأجوج ومأجوج فيمرحون في الأرض ، فيفسدون فيها ، ثم قرأ عبد الله ( وهم من كل حدب ينسلون ) قال : ثم يبعث الله عليهم دابة مثل النغف ، فتلج في أسماعهم ومناخرهم فيموتون منها فتنتن الأرض منهم ، فيرسل الله عز وجل ماء فيطهر الأرض منهم .

والصواب من القول في ذلك ما قاله الذين قالوا : عنى بذلك يأجوج ومأجوج ، وأن قوله ( وهم ) كناية عن أسمائهم ، للخبر الذي حدثنا به ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عمر عن قتادة الأنصاري ، ثم الظفري ، عن محمود بن لبيد أخي بني عبد الأشهل ، عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يفتح يأجوج ومأجوج يخرجون على الناس كما قال الله ( من كل حدب ينسلون ) فيغشون الأرض " .

حدثني أحمد بن إبراهيم ، قال : ثنا هشيم بن بشير ، قال : أخبرنا العوام بن حوشب ، عن جبلة بن سحيم ، عن مؤثر ، وهو ابن عفازة العبدي ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يذكر عن عيسى ابن مريم ، قال : قال عيسى : عهد إلي ربي أن الدجال خارج ، وأنه مهبطي إليه ، فذكر أن معه قضيبين ، فإذا رآني أهلكه الله ، قال : فيذوب كما يذوب الرصاص ، حتى إن الشجر والحجر ليقول : يا مسلم هذا كافر فاقتله ، فيهلكهم الله تبارك وتعالى ، ويرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم ، فيستقبلهم يأجوج ومأجوج من كل حدب ينسلون ، لا يأتون على شيء إلا أهلكوه ، ولا يمرون على ماء إلا شربوه .

حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري ، قال : ثنا المحاربي ، عن أصبغ بن زيد ، عن العوام بن حوشب ، عن جبلة بن سحيم ، عن مؤثر بن عفازة ، عن عبد الله بن مسعود ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه .

وأما قوله ( من كل حدب ) فإنه يعني من كل شرف ونشز وأكمة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . [ ص: 532 ] ذكر من قال ذلك : حدثني علي قال : ثنا عبد الله قال ثني معاوية ، عن علي عن ابن عباس ، قوله ( من كل حدب ينسلون ) يقول : من كل شرف يقبلون .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر عن قتادة ( من كل حدب ينسلون ) قال : من كل أكمة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( وهم من كل حدب ينسلون ) قال : الحدب : الشيء المشرف ، وقال الشاعر :


على الحداب تمور



حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ) قال : هذا مبتدأ يوم القيامة .

وأما قوله ( ينسلون ) فإنه يعني أنهم يخرجون مشاة مسرعين في مشيهم كنسلان الذئب ، كما قال الشاعر :


عسلان الذئب أمسى قاربا     برد الليل عليه فنسل



التالي السابق


الخدمات العلمية