الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين ( 106 ) وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ( 107 ) )

يقول تعالى ذكره : إن في هذا القرآن الذي أنزلناه على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لبلاغا لمن عبد الله بما فيه من الفرائض التي فرضها الله إلى رضوانه ، وإدراك الطلبة عنده [ ص: 551 ] وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، عن الجريري ، عن أبي الورد بن ثمامة ، عن أبي محمد الحضرمي ، قال : ثنا كعب في هذا المسجد ، قال : والذي نفس كعب بيده ، إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين ، إنهم لأهل ، أو أصحاب الصلوات الخمس ، سماهم الله عابدين .

حدثنا الحسين بن يزيد الطحان ، قال : ثنا ابن علية ، عن سعيد بن إياس الجريري ، عن أبي الورد عن كعب ، في قوله ( إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين ) قال : صوم شهر رمضان ، وصلاة الخمس ، قال : هي ملء اليدين والبحر عبادة .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا محمد بن الحسين ، عن الجريري ، قال : قال كعب الأحبار ( إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين ) : لأمة محمد .

حدثني علي قال : ثنا عبد الله قال : ثني معاوية ، عن علي عن ابن عباس قوله ( إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين ) يقول : عاملين .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج قوله ( إن في هذا بلاغا لقوم عابدين ) قال : يقولون في هذه السورة لبلاغا .

ويقول آخرون : في القرآن تنزيل لفرائض الصلوات الخمس ، من أداها كان بلاغا لقوم عابدين ، قال : عاملين .

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين ) قال : إن في هذا لمنفعة وعلما لقوم عابدين ، ذاك البلاغ .

وقوله ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وما أرسلناك يا محمد إلى خلقنا إلا رحمة لمن أرسلناك إليه من خلقي .

ثم اختلف أهل التأويل في معنى هذه الآية ، أجميع العالم الذي أرسل إليهم محمد أريد بها مؤمنهم وكافرهم ؟ أم أريد بها أهل الإيمان خاصة دون أهل الكفر ؟

[ ص: 552 ] فقال بعضهم : عنى بها جميع العالم المؤمن والكافر .

ذكر من قال ذلك : حدثني إسحاق بن شاهين ، قال : ثنا إسحاق بن يوسف الأزرق ، عن المسعودي ، عن رجل يقال له سعيد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قول الله في كتابه ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) قال : من آمن بالله واليوم الآخر كتب له الرحمة في الدنيا والآخرة ، ومن لم يؤمن بالله ورسوله ، عوفي مما أصاب الأمم من الخسف والقذف .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا عيسى بن يونس ، عن المسعودي ، عن أبي سعيد عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) قال : تمت الرحمة لمن به في الدنيا والآخرة ، ومن لم يؤمن به عوفي مما أصاب الأمم قبل .

وقال آخرون : بل أريد بها أهل الإيمان دون أهل الكفر .

ذكر من قال ذلك : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) قال : العالمون : من آمن به وصدقه ، قال ( وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ) قال : فهو لهؤلاء فتنة ولهؤلاء رحمة ، وقد جاء الأمر مجملا رحمة للعالمين ، والعالمون هاهنا : من آمن به وصدقه وأطاعه .

وأولى القولين في ذلك بالصواب . القول الذي روي عن ابن عباس ، وهو أن الله أرسل نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة لجميع العالم ، مؤمنهم وكافرهم . فأما مؤمنهم فإن الله هداه به ، وأدخله بالإيمان به وبالعمل بما جاء من عند الله الجنة . وأما كافرهم فإنه دفع به عنه عاجل البلاء الذي كان ينزل بالأمم المكذبة رسلها من قبله .

التالي السابق


الخدمات العلمية