الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين ( 184 ) قالوا إنما أنت من المسحرين ( 185 ) وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين ( 186 ) فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين ( 187 ) )

يقول تعالى ذكره : ( واتقوا ) أيها القوم عقاب ربكم ( الذي خلقكم ) وخلق الجبلة الأولين ) يعني بالجبلة : الخلق الأولين . وفي الجبلة للعرب لغتان : كسر الجيم والباء وتشديد اللام ، وضم الجيم والباء وتشديد اللام ; فإذا نزعت الهاء من آخرها كان الضم في الجيم والباء أكثر كما قال جل ثناؤه : " ولقد أضل منكم جبلا كثيرا " وربما سكنوا الباء من الجبل ، كما قال [ ص: 392 ] أبو ذؤيب :


منايا يقربن الحتوف لأهلها جهارا ويستمتعن بالأنس الجبل



وبنحو ما قلنا في معنى الجبلة قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : قوله : ( واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين ) يقول : خلق الأولين .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( والجبلة الأولين ) قال : الخليقة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( والجبلة الأولين ) قال : الخلق الأولين ، الجبلة : الخلق .

وقوله : ( قالوا إنما أنت من المسحرين ) يقول : قالوا : إنما أنت يا شعيب معلل تعلل بالطعام والشراب ، كما نعلل بهما ، ولست ملكا . ( وما أنت إلا بشر مثلنا ) تأكل وتشرب ( وإن نظنك لمن الكاذبين ) . يقول : وما نحسبك فيما تخبرنا وتدعونا إليه ، إلا ممن يكذب فيما يقول ، فإن كنت صادقا فيما تقول بأنك رسول الله كما تزعم ( فأسقط علينا كسفا من السماء ) يعني قطعا من السماء ، وهي جمع كسفة ، جمع كذلك كما تجمع تمرة : تمرا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . [ ص: 393 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثنا معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( كسفا ) يقول : قطعا .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : ( كسفا من السماء ) : جانبا من السماء .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( فأسقط علينا كسفا من السماء ) قال : ناحية من السماء ، عذاب ذلك الكسف .

التالي السابق


الخدمات العلمية