الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون ( 50 ) فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين ( 51 ) )

يقول تعالى ذكره : وغدر هؤلاء التسعة الرهط الذين يفسدون في الأرض بصالح بمصيرهم إليه ليلا ليقتلوه وأهله ، وصالح لا يشعر بذلك ( ومكرنا مكرا ) يقول : فأخذناهم بعقوبتنا إياهم ، وتعجيلنا العذاب لهم ( وهم لا يشعرون ) بمكرنا .

وقد بينا فيما مضى معنى : مكر الله بمن مكر به ، وما وجه ذلك ، وأنه أخذه من أخذه منهم على غرة ، أو استدراجه منهم من استدرج على كفره به ، ومعصيته إياه ، ثم إحلاله العقوبة به على غرة وغفلة ،

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن شمر بن عطية ، عن رجل ، عن علي ، قال : المكر غدر ، والغدر كفر .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( ومكروا مكرا ومكرنا مكرا ) قال : احتالوا لأمرهم ، واحتال الله لهم ، مكروا بصالح مكرا ، ومكرنا بهم مكرا ( وهم لا يشعرون ) بمكرنا وشعرنا بمكرهم ، قالوا : زعم صالح أنه يفرغ منا إلى ثلاث فنحن نفرغ منه وأهله قبل ذلك ، وكان له مسجد في الحجر في شعب يصلي فيه ، فخرجوا إلى كهف وقالوا : إذا جاء يصلي قتلناه ، ثم رجعنا إذا فرغنا منه إلى أهله ، ففرغنا منهم ، وقرأ قول الله تبارك وتعالى : ( قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون ) فبعث الله صخرة من الهضب حيالهم ، فخشوا أن تشدخهم ، فبادروا الغار ، فطبقت الصخرة عليهم فم ذلك الغار ، [ ص: 480 ] فلا يدري قومهم أين هم ؟ ولا يدرون ما فعل بقومهم ، فعذب الله تبارك وتعالى هؤلاء ههنا ، وهؤلاء هنا ، وأنجى الله صالحا ومن معه .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة : ( ومكروا مكرا ومكرنا مكرا ) قال : فسلط الله عليهم صخرة فقتلتهم .

وقوله : ( فانظر كيف كان عاقبة مكرهم ) يقول تعالى ذكره : فانظر يا محمد بعين قلبك إلى عاقبة غدر ثمود بنبيهم صالح ، كيف كانت ؟ وما الذي أورثها اعتداؤهم وطغيانهم وتكذيبهم ؟ فإن ذلك سنتنا فيمن كذب رسلنا ، وطغى علينا من سائر الخلق ، فحذر قومك من قريش ، أن ينالهم بتكذيبهم إياك ما نال ثمود بتكذيبهم صالحا من المثلات .

وقوله : ( أنا دمرناهم وقومهم أجمعين ) يقول : إنا دمرنا التسعة الرهط الذين يفسدون في الأرض من قوم صالح وقومهم من ثمود أجمعين ، فلم نبق منهم أحدا .

واختلفت القراء في قراءة قوله " إنا " فقرأ بكسرها عامة قراء الحجاز والبصرة على الابتداء ، وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة : ( أنا دمرناهم ) بفتح الألف . وإذا فتحت كان في ( أنا ) وجهان من الإعراب : أحدهما الرفع على ردها على العاقبة على الإتباع لها ، والآخر النصب على الرد على موضع كيف ; لأنها في موضع نصب إن شئت ، وإن شئت على تكرير كان عليها على وجه ، فانظر كيف كان عاقبة مكرهم كان عاقبة مكرهم تدميرنا إياهم .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إنهما قراءتان مشهورتان في قرأة الأمصار متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .

التالي السابق


الخدمات العلمية