الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون ( 60 ) )

يقول تعالى ذكره للمشركين به من قريش : أعبادة ما تعبدون من أوثانكم التي لا تضر ولا تنفع خير ، أم عبادة من خلق السموات والأرض ؟ ( وأنزل لكم من السماء ماء ) يعني مطرا ، وقد يجوز أن يكون مريدا به العيون التي فجرها في الأرض ; لأن كل ذلك من خلقه ( فأنبتنا به ) يعني بالماء الذي أنزل من السماء ( حدائق ) وهي جمع حديقة ، والحديقة : البستان عليه حائط محوط ، وإن لم يكن عليه حائط لم يكن حديقة . وقوله : ( ذات بهجة ) يقول : ذات منظر حسن . وقيل ذات بالتوحيد . وقد قيل حدائق ، كما قال : ( ولله الأسماء الحسنى ) ، وقد بينت ذلك فيما مضى .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في [ ص: 484 ] قوله : ( حدائق ذات بهجة ) قال : البهجة : الفقاح مما يأكل الناس والأنعام .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : ( حدائق ذات بهجة ) قال : من كل شيء تأكله الناس والأنعام .

وقوله : ( ما كان لكم أن تنبتوا شجرها ) يقول تعالى ذكره : أنبتنا بالماء الذي أنزلناه من السماء لكم هذه الحدائق ، إذ لم يكن لكم لولا أنه أنزل عليكم الماء من السماء ، طاقة أن تنبتوا شجر هذه الحدائق ، ولم تكونوا قادرين على ذهاب ذلك ، لأنه لا يصلح ذلك إلا بالماء .

وقوله : ( أإله مع الله ) يقول تعالى ذكره : أمعبود مع الله أيها الجهلة خلق ذلك ، وأنزل من السماء الماء ، فأنبت به لكم الحدائق ؟ فقوله : ( أإله ) مردود على تأويل : أمع الله إله ، ( بل هم قوم يعدلون ) يقول جل ثناؤه : بل هؤلاء المشركون قوم ضلال ، يعدلون عن الحق ، ويجورون عليه ، على عمد منهم لذلك ، مع علمهم بأنهم على خطأ وضلال ولم يعدلوا عن جهل منهم ، بأن من لا يقدر على نفع ولا ضر ، خير ممن خلق السموات والأرض ، وفعل هذه الأفعال ، ولكنهم عدلوا على علم منهم ومعرفة ، اقتفاء منهم سنة من مضى قبلهم من آبائهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية