الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون ( 56 ) )

يقول - تعالى ذكره - للمؤمنين به من عباده : يا عبادي الذين وحدوني ، وآمنوا بي وبرسولي محمد - صلى الله عليه وسلم - ( إن أرضي واسعة ) .

واختلف أهل التأويل في المعنى الذي أريد من الخبر عن سعة الأرض ، فقال بعضهم : أريد بذلك أنها لم تضق عليكم فتقيموا بموضع منها لا يحل لكم المقام فيه ، ولكن إذا عمل بمكان منها بمعاصي الله ، فلم تقدروا على تغييره ، فاهربوا منه .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار قال : ثنا أبو أحمد قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير في قوله : ( إن أرضي واسعة ) قال : إذا عمل فيها بالمعاصي ، فاخرج منها .

حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان ، عن إسماعيل بن أبي [ ص: 56 ] خالد ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : ( إن أرضي واسعة ) قال : إذا عمل فيها بالمعاصي ، فاخرج منها .

حدثنا ابن وكيع قال : ثنا جرير ، عن ليث ، عن رجل ، عن سعيد بن جبير قال : اهربوا ؛ فإن أرضي واسعة .

حدثنا ابن وكيع قال : ثنا أبي ، عن شريك ، عن منصور ، عن عطاء قال : إذا أمرتم بالمعاصي فاهربوا ، فإن أرضي واسعة .

حدثنا ابن بشار قال : ثنا أبو أحمد قال : ثنا شريك ، عن منصور ، عن عطاء ( إن أرضي واسعة ) قال : مجانبة أهل المعاصي .

حدثنا محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : ( إن أرضي واسعة ) ، فهاجروا وجاهدوا .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون ) فقلت : يريد بهذا من كان بمكة من المؤمنين ، فقال : نعم .

وقال آخرون : معنى ذلك : أن ما أخرج من أرضي لكم من الرزق واسع لكم .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن عرفة قال : ثني زيد بن الحباب ، عن شداد بن سعيد بن مالك أبي طلحة الراسبي ، عن غيلان بن جرير المعولي ، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير العامري في قول الله : ( إن أرضي واسعة ) : قال : إن رزقي لكم واسع .

حدثنا ابن وكيع قال : ثنا زيد بن حباب ، عن شداد ، عن غيلان بن جرير ، عن مطرف بن الشخير ( إن أرضي واسعة ) قال : رزقي لكم واسع .

وأولى القولين بتأويل الآية ، قول من قال : معنى ذلك : أن أرضي واسعة ، فاهربوا ممن منعكم من العمل بطاعتي ؛ لدلالة قوله : ( فإياي فاعبدون ) على ذلك ، وأن ذلك هو أظهر معنييه ، وذلك أن الأرض إذا وصفها بسعة ، فالغالب من وصفه إياها بذلك لا تضيق جميعها على من ضاق عليه منها موضع ، لا أنه وصفها بكثرة الخير والخصب . [ ص: 57 ]

وقوله : ( فإياي فاعبدون ) يقول : فأخلصوا لي عبادتكم وطاعتكم ، ولا تطيعوا في معصيتي أحدا من خلقي .

التالي السابق


الخدمات العلمية