الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 461 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ( 27 ) ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور ( 28 ) )

يقول - تعالى ذكره - : ألم تر يا محمد أن الله أنزل من السماء غيثا فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها : يقول : فسقيناه أشجارا في الأرض فأخرجنا به من تلك الأشجار ثمرات مختلفا ألوانها ; منها الأحمر ومنها الأسود والأصفر ، وغير ذلك من ألوانها ( ومن الجبال جدد بيض وحمر ) يقول - تعالى ذكره - : ومن الجبال طرائق ، وهي الجدد ، وهي الخطط تكون في الجبال بيض وحمر وسود ، كالطرق واحدتها جدة ، ومنه قول امرئ القيس في صفة حمار :


كأن سراته وجدة متنه كنائن يجري فوقهن دليص



يعني بالجدة : الخطة السوداء تكون في متن الحمار .

وقوله ( مختلف ألوانها ) يعني : مختلف ألوان الجدد ( وغرابيب سود ) وذلك من المقدم الذي هو بمعنى التأخير ، وذلك أن العرب تقول : هو أسود غربيب ، إذا وصفوه بشدة السواد ، وجعل السواد هاهنا صفة للغرابيب .

[ ص: 462 ] وقوله ( ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك ) كما من الثمرات والجبال مختلف ألوانه بالحمرة والبياض والسواد والصفرة ، وغير ذلك .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة في قوله ( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ) أحمر وأخضر وأصفر ( ومن الجبال جدد بيض ) أي : طرائق بيض ( وحمر مختلف ألوانها ) أي : جبال حمر وبيض ( وغرابيب سود ) هو الأسود يعني لونه كما اختلف ألوان هذه اختلف ألوان الناس والدواب والأنعام كذلك .

حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( ومن الجبال جدد بيض ) طرائق بيض وحمر وسود ، وكذلك الناس مختلف ألوانهم .

حدثنا عمرو بن عبد الحميد الآملي قال : ثنا مروان ، عن جويبر عن الضحاك قوله ( ومن الجبال جدد بيض ) قال : هي طرائق حمر وسود .

وقوله ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) يقول - تعالى ذكره - : إنما يخاف الله فيتقي عقابه بطاعته العلماء ، بقدرته على ما يشاء من شيء ، وأنه يفعل ما يريد ، لأن من علم ذلك أيقن بعقابه على معصيته ; فخافه ورهبه خشية منه أن يعاقبه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي قال : ثنا عبد الله قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) قال : الذين يعلمون أن الله على كل شيء قدير .

[ ص: 463 ] حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) قال : كان يقال : كفى بالرهبة علما .

وقوله ( إن الله عزيز غفور ) يقول - تعالى ذكره - : إن الله عزيز في انتقامه ممن كفر به غفور لذنوب من آمن به وأطاعه .

التالي السابق


الخدمات العلمية