الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون ( 80 ) أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم ( 81 ) )

يقول - تعالى ذكره - : قل يحييها الذي أنشأها أول مرة ( الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا ) [ ص: 556 ] يقول : الذي أخرج لكم من الشجر الأخضر نارا تحرق الشجر ، لا يمتنع عليه فعل ما أراد ، ولا يعجز عن إحياء العظام التي قد رمت ، وإعادتها بشرا سويا ، وخلقا جديدا ، كما بدأها أول مرة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا ) يقول : الذي أخرج هذه النار من هذا الشجر قادر أن يبعثه .

قوله ( فإذا أنتم منه توقدون ) يقول : فإذا أنتم من هذا الشجر توقدون النار . وقال ) منه ) والهاء من ذكر الشجر ، ولم يقل : منها ، والشجر جمع شجرة ؛ لأنه خرج مخرج الثمر والحصى . ولو قيل : منها كان صوابا أيضا ؛ لأن العرب تذكر مثل هذا وتؤنثه .

وقوله ( أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ) يقول - تعالى ذكره - منبها هذا الكافر الذي قال ( من يحيي العظام وهي رميم ) على خطإ قوله ، وعظيم جهله ( أوليس الذي خلق السماوات ) السبع ( والأرض بقادر على أن يخلق ) مثلكم ؟ ! فإن خلق مثلكم من العظام الرميم ليس بأعظم من خلق السماوات والأرض . يقول : فمن لم يتعذر عليه خلق ما هو أعظم من خلقكم ، فكيف يتعذر عليه إحياء العظام بعد ما قد رمت وبليت ؟ ! . وقوله ( بلى وهو الخلاق العليم ) يقول : بلى هو قادر على أن يخلق مثلهم وهو الخلاق لما يشاء ، الفعال لما يريد ، العليم بكل ما خلق ويخلق ، لا يخفى عليه خافية .

التالي السابق


الخدمات العلمية