الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( قال هل أنتم مطلعون ( 54 ) فاطلع فرآه في سواء الجحيم ( 55 ) قال تالله إن كدت لتردين ( 56 ) ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين ( 57 ) )

يقول - تعالى ذكره - : قال هذا المؤمن الذي أدخل الجنة لأصحابه : ( هل أنتم مطلعون ) في النار ، لعلي أرى قريني الذي كان يقول لي : إنك لمن المصدقين بأنا مبعوثون بعد الممات .

وقوله ( فاطلع فرآه في سواء الجحيم ) يقول : فاطلع في النار فرآه في وسط الجحيم . وفي الكلام متروك استغني بدلالة الكلام عليه من ذكره ، وهو : فقالوا : نعم .

[ ص: 48 ] وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله ( فاطلع فرآه في سواء الجحيم ) قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله ( في سواء الجحيم ) يعني : في وسط الجحيم .

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( في سواء الجحيم ) يعني : في وسط الجحيم .

حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن ، قال ثنا عباد بن راشد ، عن الحسن ، في قوله ( في سواء الجحيم ) يقول : في وسط الجحيم .

حدثنا ابن سنان قال : ثنا عبد الصمد ، قال ثنا عباد بن راشد قال : سمعت الحسن ، فذكر مثله .

حدثنا ابن بشار قال : ثنا سليمان بن حرب قال : ثنا أبو هلال ، قال : ثنا قتادة ، في قوله ( سواء الجحيم ) قال : وسطها .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قال : ( هل أنتم مطلعون ) قال : سأل ربه أن يطلعه . قال ( فاطلع فرآه في سواء الجحيم ) : أي في وسط الجحيم .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن خليد العصري قال : لولا أن الله عرفه إياه ما عرفه ، لقد تغير حبره وسبره بعده . وذكر لنا أنه اطلع فرأى جماجم القوم ، فقال : ( تالله إن كدت لتردين ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين )

حدثنا ابن بشار قال : ثنا إبراهيم بن أبي الوزير قال : ثنا سفيان بن عيينة ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن مطرف بن عبد الله ، في قوله ( فاطلع فرآه في سواء الجحيم ) قال : والله لولا أنه عرفه ما عرفه ، لقد غيرت [ ص: 49 ] النار حبره وسبره .

حدثنا محمد بن الحسين قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن السدي قوله ( هل أنتم مطلعون ) قال : كان ابن عباس يقرؤها : " هل أنتم مطلعونى فاطلع فرآه في سواء الجحيم " قال : في وسط الجحيم .

وهذه القراءة التي ذكرها السدي ، عن ابن عباس ، أنه كان يقرأ في ( مطلعون ) إن كانت محفوظة عنه ، فإنها من شواذ الحروف ، وذلك أن العرب لا تؤثر في المكنى من الأسماء إذا اتصل بفاعل على الإضافة في جمع أو توحيد ، لا يكادون أن يقولوا : أنت مكلمني ولا أنتما مكلماني ولا أنتم مكلموني ولا مكلمونني ، وإنما يقولون أنت مكلمي ، وأنتما مكلماي ، وأنتم مكلمي ، وإن قال قائل منهم ذلك قاله على وجه الغلط توهما به : أنت تكلمني ، وأنتما تكلمانني ، وأنتم تكلمونني ، كما قال الشاعر :


وما أدري وظني كل ظن أمسلمني إلى قومي شراحي

[ ص: 50 ] فقال : مسلمني ، وليس ذلك وجه الكلام ، بل وجه الكلام أمسلمي ، فأما إذا كان الكلام ظاهرا ولم يكن متصلا بالفاعل ، فإنهم ربما أضافوا ، وربما لم يضيفوا . فيقال : هذا مكلم أخاك ، ومكلم أخيك ، وهذان مكلما أخيك ، ومكلمان أخاك ، وهؤلاء مكلمو أخيك ، ومكلمون أخاك ، وإنما تختار الإضافة في المكنى المتصل بفاعل لمصير الحرفين باتصال أحدهما بصاحبه كالحرف الواحد .

وقوله ( تالله إن كدت لتردين ) يقول : فلما رأى قرينه في النار قال : تالله إن كدت في الدنيا لتهلكني بصدك إياي عن الإيمان بالبعث والثواب والعقاب .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن الحسين قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن السدي قوله ( إن كدت لتردين ) قال : لتهلكني ، يقال منه : أردى فلان فلانا : إذا أهلكه ، وردي فلان : إذا هلك . كما قال الأعشى .


أفي الطوف خفت علي الردى     وكم من رد أهله لم يرم

[ ص: 51 ] يعني بقوله : " وكم من رد " : وكم من هالك .

وقوله ( ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين ) يقول : ولولا أن الله أنعم علي بهدايته ، والتوفيق للإيمان بالبعث بعد الموت ، لكنت من المحضرين معك في عذاب الله .

كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( لكنت من المحضرين ) : أي في عذاب الله .

حدثنا محمد بن الحسين قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن السدي قوله ( لكنت من المحضرين ) قال : من المعذبين .

التالي السابق


الخدمات العلمية