الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( فراغ عليهم ضربا باليمين ( 93 ) فأقبلوا إليه يزفون ( 94 ) قال أتعبدون ما تنحتون ( 95 ) والله خلقكم وما تعملون ( 96 ) ) [ ص: 67 ] يقول - تعالى ذكره - : فمال على آلهة قومه ضربا لها باليمين بفأس في يده يكسرهن .

كما حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : لما خلا جعل يضرب آلهتهم باليمين

حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك ، فذكر مثله .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فراغ عليهم ضربا باليمين ) فأقبل عليهم يكسرهم .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : ثم أقبل عليهم كما قال الله ضربا باليمين ، ثم جعل يكسرهن بفأس في يده

وكان بعض أهل العربية يتأول ذلك بمعنى : فراغ عليهم ضربا بالقوة والقدرة ، ويقول : اليمين في هذا الموضع القوة . وبعضهم كان يتأول اليمين في هذا الموضع : الحلف ، ويقول : جعل يضربهن باليمين التي حلف بها بقوله ( وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين ) وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله : " فراغ عليهم صفقا باليمين " . وروي نحو ذلك عن الحسن .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا يحيى بن واضح قال : ثنا خالد بن عبد الله الجشمي قال : سمعت الحسن قرأ : " فراغ عليهم صفقا باليمين " : أي ضربا باليمين .

وقوله ( فأقبلوا إليه يزفون ) اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة ، وبعض قراء الكوفة : ( فأقبلوا إليه يزفون ) بفتح الياء وتشديد الفاء من قولهم : زفت النعامة ، وذلك أول عدوها ، وآخر مشيها ، ومنه قول الفرزدق :

[ ص: 68 ]

وجاء قريع الشول قبل إفالها يزف وجاءت خلفه وهي زفف

.

وقرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة : " يزفون " بضم الياء وتشديد الفاء من أزف فهو يزف . وكان الفراء يزعم أنه لم يسمع في ذلك إلا زففت ، ويقول : لعل قراءة من قرأه : " يزفون " بضم الياء من قول العرب : أطردت الرجل : أي صيرته طريدا ، وطردته : إذا أنت خسأته إذا قلت : اذهب عنا ، فيكون يزفون : أي جاءوا على هذه الهيئة بمنزلة المزفوفة على هذه الحالة ، فتدخل الألف . كما تقول : أحمدت الرجل : إذا أظهرت حمده ، وهو محمد : إذا رأيت أمره إلى الحمد ، ولم تنشر حمده قال : وأنشدني المفضل :


تمنى حصين أن يسود جذاعه     فأمسى حصين قد أذل وأقهرا

[ ص: 69 ] فقال : أقهر ، وإنما هو قهر ، ولكنه أراد صار إلى حال قهر . وقرأ ذلك بعضهم " يزفون " بفتح الياء وتخفيف الفاء من وزف يزف وذكر عن الكسائي أنه لا يعرفها ، وقال الفراء : لا أعرفها إلا أن تكون لغة لم أسمعها . وذكر عن مجاهد أنه كان يقول : الوزف : النسلان .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله " إليه يزفون " قال : الوزيف : النسلان .

والصواب من القراءة في ذلك عندنا قراءة من قرأه بفتح الياء وتشديد الفاء ، لأن ذلك هو الصحيح المعروف من كلام العرب ، والذي عليه قراءة الفصحاء من القراء .

وقد اختلف أهل التأويل في معناه ، فقال بعضهم : معناه : فأقبل قوم إبراهيم إلى إبراهيم يجرون .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله ( فأقبلوا إليه يزفون ) : فأقبلوا إليه يجرون .

وقال آخرون : أقبلوا إليه يمشون .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن الحسين قال : ثنا أحمد بن المفضل قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، في قوله ( فأقبلوا إليه يزفون ) قال : يمشون .

وقال آخرون : معناه : فأقبلوا يستعجلون .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 70 ] حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، عن أبيه ( فأقبلوا إليه يزفون ) قال : يستعجلون قال : يزف : يستعجل .

وقوله ( قال أتعبدون ما تنحتون ) يقول - تعالى ذكره - : قال إبراهيم لقومه : أتعبدون أيها القوم ما تنحتون بأيديكم من الأصنام .

كما حدثني بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( قال أتعبدون ما تنحتون ) الأصنام .

وقوله ( والله خلقكم وما تعملون ) يقول - تعالى ذكره - مخبرا عن قيل إبراهيم لقومه : والله خلقكم أيها القوم وما تعملون . وفي قوله ( وما تعملون ) وجهان : أحدهما : أن يكون قوله " ما " بمعنى المصدر ، فيكون معنى الكلام حينئذ : والله خلقكم وعملكم .

والآخر أن يكون بمعنى " الذي " ، فيكون معنى الكلام عند ذلك : والله خلقكم والذي تعملونه : أي والذي تعملون منه الأصنام ، وهو الخشب والنحاس والأشياء التي كانوا ينحتون منها أصنامهم .

وهذا المعنى الثاني قصد - إن شاء الله - قتادة بقوله الذي حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : ( والله خلقكم وما تعملون ) : بأيديكم

التالي السابق


الخدمات العلمية