الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب ( 10 ) جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب ( 11 ) )

يقول - تعالى ذكره - : أم لهؤلاء المشركين الذين هم في عزة وشقاق ( ملك السماوات والأرض وما بينهما ) فإنه لا يعازني ويشاقني من كان في ملكي وسلطاني . وقوله ( فليرتقوا في الأسباب ) يقول : وإن كان لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما ، فليصعدوا في أبواب السماء وطرقها ، فإن من كان له ملك شيء لم يتعذر عليه الإشراف عليه ، وتفقده وتعهده .

واختلف أهل التأويل في معنى الأسباب التي ذكرها الله في هذا الموضع ، فقال بعضهم : عني بها أبواب السماء .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله ( فليرتقوا في الأسباب ) قال : طرق السماء وأبوابها .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فليرتقوا في الأسباب ) يقول : في أبواب السماء .

حدثنا محمد بن الحسين قال : ثنا أحمد بن المفضل قال : ثنا أسباط ، عن السدي قوله ( في الأسباب ) قال : أسباب السماوات .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله [ ص: 157 ] ( فليرتقوا في الأسباب ) قال : طرق السماوات .

حدثت عن المحاربي عن جويبر ، عن الضحاك ( أم لهم ملك السماوات والأرض ) يقول : إن كان ( لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب ) يقول : فليرتقوا إلى السماء السابعة .

حدثني علي قال : ثنا عبد الله قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله ( فليرتقوا في الأسباب ) يقول : في السماء .

وذكر عن الربيع بن أنس في ذلك ما حدثت عن المسيب بن شريك عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس قال : الأسباب أدق من الشعر ، وأشد من الحديد ، وهو بكل مكان ، غير أنه لا يرى .

وأصل السبب عند العرب : كل ما تسبب به إلى الوصول إلى المطلوب من حبل أو وسيلة ، أو رحم ، أو قرابة أو طريق ، أو محجة وغير ذلك .

وقوله ( جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب ) يقول - تعالى ذكره - : هم ( جند ) يعني الذين في عزة وشقاق هنالك ، يعني : ببدر مهزوم . وقوله ( هنالك ) من صلة مهزوم وقوله ( من الأحزاب ) يعني من أحزاب إبليس وأتباعه الذين مضوا قبلهم ، فأهلكهم الله بذنوبهم . و " من " من قوله ( من الأحزاب ) من صلة قوله جند ، ومعنى الكلام : هم جند من الأحزاب مهزوم هنالك ، وما في قوله ( جند ما هنالك ) صلة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب ) قال : قريش من الأحزاب قال : القرون الماضية .

[ ص: 158 ] حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب ) قال : وعده الله وهو بمكة يومئذ أنه سيهزم جندا من المشركين ، فجاء تأويلها يوم بدر .

وكان بعض أهل العربية يتأول ذلك ( جند ما هنالك ) مغلوب عن أن يصعد إلى السماء .

التالي السابق


الخدمات العلمية