الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ( 67 ) يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون ( 68 ) )

يقول - تعالى ذكره - : المتخالون يوم القيامة على معاصي الله في الدنيا ، بعضهم لبعض عدو ، يتبرأ بعضهم من بعض ، إلا الذين كانوا تخالوا فيها على تقوى الله .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . [ ص: 638 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) فكل خلة على معصية الله في الدنيا متعادون .

حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) فكل خلة هي عداوة إلا خلة المتقين .

حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن أبي إسحاق ، أن عليا رضي الله عنه قال : خليلان مؤمنان ، وخليلان كافران ، فمات أحد المؤمنين فقال : يا رب إن فلانا كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك ، ويأمرني بالخير ، وينهاني عن الشر ويخبرني أني ملاقيك يارب فلا تضله بعدي واهده كما هديتني وأكرمه كما أكرمتني ، فإذا مات خليله المؤمن جمع بينهما فيقول : ليثن أحدكما على صاحبه فيقول : يا رب إنه كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك ، ويأمرني بالخير ، وينهاني عن الشر ، ويخبرني أني ملاقيك ، فيقول : نعم الخليل ، ونعم الأخ ، ونعم الصاحب؛ قال : ويموت أحد الكافرين فيقول : يا رب إن فلانا كان ينهاني عن طاعتك وطاعة رسولك ، ويأمرني بالشر ، وينهاني عن الخير ، ويخبرني أني غير ملاقيك ، فيقول : بئس الأخ ، وبئس الخليل ، وبئس الصاحب .

وقوله : ( يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون ) وفي هذا الكلام محذوف استغني بدلالة ما ذكر عليه . ومعنى الكلام : الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ، فإنهم يقال لهم : يا عبادي لا خوف عليكم اليوم من عقابي ، فإني قد أمنتكم منه برضاي عنكم ، ولا أنتم تحزنون على فراق الدنيا فإن الذي قدمتم عليه خير لكم مما فارقتموه منها .

وذكر أن الناس ينادون هذا النداء يوم القيامة ، فيطمع فيها من ليس من [ ص: 639 ] أهلها حتى يسمع قوله : ( الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ) فييأس منها عند ذلك .

حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قال : ثنا المعتمر ، عن أبيه ، قال سمعت أن الناس حين يبعثون ليس منهم أحد إلا فزع ، فينادي مناد : يا عباد الله لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون ، فيرجوها الناس كلهم ، قال : فيتبعها ( الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ) قال : فييأس الناس منها غير المسلمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية