الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ( 8 ) لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا ( 9 ) )

يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ( إنا أرسلناك ) يا محمد ( شاهدا ) على أمتك بما أجابوك فيما دعوتهم إليه ، مما أرسلتك به إليهم من الرسالة ، ومبشرا لهم بالجنة إن أجابوك إلى ما دعوتهم إليه من الدين القيم ، ونذيرا لهم عذاب الله إن هم تولوا عما جئتهم به من عند ربك .

ثم اختلفت القراء في قراءة قوله ( لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه ) فقرأ جميع ذلك عامة قراء الأمصار خلا أبي جعفر المدني وأبي [ ص: 207 ] عمرو بن العلاء بالتاء ( لتؤمنوا - وتعزروه - وتوقروه - وتسبحوه ) بمعنى : لتؤمنوا بالله ورسوله أنتم أيها الناس ، وقرأ ذلك أبو جعفر وأبو عمرو كله بالياء ( ليؤمنوا - ويعزروه - ويوقروه - ويسبحوه ) بمعنى إنا أرسلناك شاهدا إلى الخلق ليؤمنوا بالله ورسوله ويعزروه .

والصواب من القول في ذلك أن يقال : إنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ) يقول : شاهدا على أمته على أنه قد بلغهم ومبشرا بالجنة لمن أطاع الله ، ونذيرا من النار .

وقوله ( وتعزروه وتوقروه ) اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : تجلوه ، وتعظموه .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( وتعزروه ) يعني : الإجلال ( وتوقروه ) يعني : التعظيم .

حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( وتعزروه وتوقروه ) كل هذا تعظيم وإجلال .

وقال آخرون : معنى قوله ( ويعزروه ) : وينصروه ، ومعنى ( ويوقروه ) ويفخموه .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ويعزروه ) : [ ص: 208 ] ينصروه ( ويوقروه ) ) أمر الله بتسويده وتفخيمه .

حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة في قوله ( ويعزروه ) قال : ينصروه ، ويوقروه : أي ليعظموه .

حدثني أبو هريرة الضبعي قال : ثنا حرمي ، عن شعبة ، عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية ، عن عكرمة ( ويعزروه ) قال : يقاتلون معه بالسيف .

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثني هشيم ، عن أبي بشر ، عن عكرمة ، مثله .

حدثني أحمد بن الوليد قال : ثنا عثمان بن عمر ، عن سعيد ، عن أبي بشر ، عن عكرمة ، بنحوه .

حدثنا ابن بشار قال : ثنا يحيى ومحمد بن جعفر ، قالا ثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن عكرمة ، مثله .

وقال آخرون : معنى ذلك : ويعظموه .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( ويعزروه ويوقروه ) قال : الطاعة لله .

وهذه الأقوال متقاربات المعنى ، وإن اختلفت ألفاظ أهلها بها . ومعنى التعزير في هذا الموضع : التقوية بالنصرة والمعونة ، ولا يكون ذلك إلا بالطاعة والتعظيم والإجلال .

وقد بينا معنى ذلك بشواهده فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

فأما التوقير : فهو التعظيم والإجلال والتفخيم .

وقوله ( وتسبحوه بكرة وأصيلا ) يقول : وتصلوا له يعني لله بالغدوات [ ص: 209 ] والعشيات .

والهاء في قوله ( وتسبحوه ) من ذكر الله وحده دون الرسول . وقد ذكر أن ذلك في بعض القراءات : ( ويسبحوا الله بكرة وأصيلا ) .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وتسبحوه بكرة وأصيلا ) في بعض القراءة ( ويسبحوا الله بكرة وأصيلا ) .

حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة في بعض الحروف ( ويسبحوا الله بكرة وأصيلا ) .

حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( ويسبحوه بكرة وأصيلا ) يقول : يسبحون الله رجع إلى نفسه .

التالي السابق


الخدمات العلمية