الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( والليل إذا عسعس ( 17 ) والصبح إذا تنفس ( 18 ) إنه لقول رسول كريم ( 19 ) ذي قوة عند ذي العرش مكين ( 20 ) ) .

أقسم ربنا جل ثناؤه بالليل إذا عسعس ، يقول : وأقسم بالليل إذا عسعس .

واختلف أهل التأويل في قوله : ( والليل إذا عسعس ) فقال بعضهم : عني بقوله : ( إذا عسعس ) إذا أدبر .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( والليل إذا عسعس ) يقول : إذا أدبر .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( والليل إذا عسعس ) يعني : إذا أدبر .

حدثنا عبد الحميد بن بيان اليشكري ، قال : ثنا محمد بن يزيد ، عن إسماعيل [ ص: 256 ] بن أبي خالد ، عن رجل عن أبي ظبيان ، قال : كنت أتبع علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وهو خارج نحو المشرق ، فاستقبل الفجر ، فقرأ هذه الآية : ( والليل إذا عسعس ) .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، عن الحسن بن عبيد الله ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن ، قال : خرج علي عليه السلام مما يلي باب السوق ، وقد طلع الصبح أو الفجر ، فقرأ : ( والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس ) أين السائل عن الوتر ، نعم ساعة الوتر هذه .

ثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( والليل إذا عسعس ) قال : إقباله ، ويقال : إدباره .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( والليل إذا عسعس ) : إذا أدبر .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( إذا عسعس ) قال : إذا أدبر .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( إذا عسعس ) إذا أدبر .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن مسعر ، عن أبي حصين ، عن أبي عبد الرحمن ، قال : خرج علي عليه السلام بعد ما أذن المؤذن بالصبح ، فقال : ( والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس ) أين السائل عن الوتر ؟ قال : نعم ساعة الوتر هذه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( والليل إذا عسعس ) قال : عسعس تولى ، وقال : تنفس الصبح من هاهنا ، وأشار إلى المشرق طلاع الفجر .

وقال آخرون : عني بقوله : ( إذا عسعس ) إذا أقبل بظلامه .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن ( والليل إذا عسعس ) قال : إذا غشي الناس .

حدثنا الحسين بن علي الصدائي ، قال : ثني أبي ، عن الفضيل ، عن عطية ( والليل إذا عسعس ) [ ص: 257 ] قال : أشار بيده إلى المغرب .

وأولى التأويلين في ذلك بالصواب عندي قول من قال : معنى ذلك : إذا أدبر ، وذلك لقوله : ( والصبح إذا تنفس ) فدل بذلك على أن القسم بالليل مدبرا ، وبالنهار مقبلا والعرب تقول : عسعس الليل ، وسعسع الليل : إذا أدبر ، ولم يبق منه إلا اليسير; ومن ذلك قول رؤبة بن العجاج :


يا هند ما أسرع ما تسعسعا ولو رجا تبع الصبا تتبعا



فهذه لغة من قال : سعسع; وأما لغة من قال : عسعس ، فقول علقمة بن قرط :


حتى إذا الصبح لها تنفسا     وانجاب عنها ليلها وعسعسا



يعني أدبر . وقد كان بعض أهل المعرفة بكلام العرب ، يزعم أن عسعس : دنا من أوله وأظلم . وقال الفراء : كان أبو البلاد النحوي ينشد بيتا :


عسعس حتى لو يشاء إدنا     كان له من ضوئه مقبس



يقول : لو يشاء إذ دنا ، ولكنه أدغم الذال في الدال ، قال الفراء : فكانوا يرون أن هذا البيت مصنوع .

وقوله : ( والصبح إذا تنفس ) يقول : وضوء النهار إذا أقبل وتبين .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . [ ص: 258 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد ، في قوله : ( والصبح إذا تنفس ) قال : إذا نشأ .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( والصبح إذا تنفس ) : إذا أضاء وأقبل .

وقوله : ( إنه لقول رسول كريم ) يقول تعالى ذكره : إن هذا القرآن لتنزيل رسول كريم; يعني : جبريل ، نزله على محمد بن عبد الله .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، أنه كان يقول : ( إنه لقول رسول كريم ) يعني : جبريل .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، أنه كان يقول : ( إنه لقول رسول كريم ) قال : هو جبريل .

وقوله : ( ذي قوة عند ذي العرش مكين ) يقول تعالى ذكره : ذي قوة ، يعني : جبرائيل على ما كلف من أمر غير عاجز ( عند ذي العرش مكين ) يقول : هو مكين عند رب العرش العظيم .

التالي السابق


الخدمات العلمية