الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا ) .

يقول تعالى ذكره : يأيها الإنسان إنك عامل إلى ربك عملا فملاقيه به خيرا كان عملك ذلك أو شرا ، يقول : فليكن عملك مما ينجيك من سخطه ، ويوجب لك رضاه ، ولا يكن مما يسخطه عليك فتهلك .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ) يقول : تعمل عملا تلقى الله به خيرا كان أو شرا .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ) إن كدحك يا ابن آدم لضعيف ، فمن [ ص: 313 ] استطاع أن يكون كدحه في طاعة الله فليفعل ، ولا قوة إلا بالله .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( إنك كادح إلى ربك كدحا ) قال : عامل له عملا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : وسمعته يقول في ذلك : ( إنك كادح إلى ربك كدحا ) قال : عامل إلى ربك عملا . قال : كدحا : العمل .

وقوله : ( فأما من أوتي كتابه بيمينه ) يقول تعالى ذكره : فأما من أعطي كتاب أعماله بيمينه ( فسوف يحاسب حسابا يسيرا ) بأن ينظر في أعماله ، فيغفر له سيئها ، ويجازى على حسنها .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وجاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا جرير ، عن محمد بن إسحاق ، عن عبد الواحد بن حمزة ، عن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن عائشة ، قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " اللهم حاسبني حسابا يسيرا " قلت : يا رسول الله ما الحساب اليسير ؟ قال : " أن ينظر في سيئاته فيتجاوز عنه ، إنه من نوقش الحساب يومئذ هلك " .

حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن محمد بن إسحاق ، قال : ثني عبد الواحد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير ، عن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن عائشة ، قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته : " اللهم حاسبني حسابا يسيرا " ، فلما انصرف قلت : يا رسول الله ما الحساب اليسير ؟ قال : " ينظر في كتابه ، ويتجاوز عنه ، إنه من نوقش الحساب يومئذ يا عائشة هلك " .

حدثنا نصر بن علي الجهضمي ، قال : ثنا مسلم ، عن الحريش بن الخريت أخي الزبير ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة ، قالت : من نوقش الحساب ، أو من حوسب عذب ، قال : ثم قالت : إنما الحساب اليسير : عرض على الله وهو يراهم .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الوهاب ، قال : ثنا أيوب ، وحدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : أخبرنا أيوب ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة أن رسول الله [ ص: 314 ] صلى الله عليه وسلم ، قال : " من حوسب يوم القيامة عذب " فقلت : أليس الله يقول : ( فسوف يحاسب حسابا يسيرا ) قال : " ليس ذلك الحساب إنما ذلك العرض ، ولكن من نوقش الحساب يوم القيامة عذب " .

حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا روح بن عبادة ، قال : ثنا أبو عامر الخزاز ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا معذبا " فقلت : أليس يقول الله : ( فسوف يحاسب حسابا يسيرا ) ؟ قال : " ذلك العرض ، إنه من نوقش الحساب عذب " وقال بيده على أصبعه كأنه ينكته .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ( فسوف يحاسب حسابا يسيرا ) قال : الحساب اليسير : الذي يغفر ذنوبه ، ويتقبل حسناته ، ويسير الحساب الذي يعفى عنه ، وقرأ : ( ويخافون سوء الحساب ) ، وقرأ : ( أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة ) .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن عثمان بن الأسود ، قال : ثني ابن أبي مليكة ، عن عائشة ، قالت : يا رسول الله ( فسوف يحاسب حسابا يسيرا ) قال : " ذلك العرض يا عائشة ، من نوقش الحساب هلك " .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عثمان بن عمرو وأبو داود ، قالا ثنا أبو عامر الخزاز ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من حوسب عذب " ، قالت : فقلت : أليس الله يقول : ( فسوف يحاسب حسابا يسيرا ) قال : " ذلك العرض يا عائشة ، ومن نوقش الحساب عذب " .

إن قال قائل : وكيف قيل : ( فسوف يحاسب ) ، والمحاسبة لا تكون إلا من اثنين ، والله القائم بأعمالهم ولا أحد له قبل ربه طلبة فيحاسبه ؟ قيل : إن ذلك تقرير من الله للعبد بذنوبه ، وإقرار من العبد بها ، وبما أحصاه كتاب عمله ، فذلك المحاسبة على ما وصفنا ، ولذلك قيل : يحاسب .

حدثنا عمرو بن علي ، قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن أبي يونس القشيري ، عن ابن أبي مليكة ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك " قالت : فقلت : يا رسول الله [ ص: 315 ] ( فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا ) فقال : " ذلك العرض ، ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك " .

وقوله : ( وينقلب إلى أهله مسرورا ) يقول : وينصرف هذا المحاسب حسابا يسيرا إلى أهله في الجنة مسرورا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وينقلب إلى أهله مسرورا ) قال : إلى أهل أعد الله لهم الجنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية