الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى ( فمن فرض فيهن الحج )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " فمن فرض فيهن الحج " ، فمن أوجب الحج على نفسه وألزمها إياه فيهن - يعني : في الأشهر المعلومات التي بينها . وإيجابه إياه على نفسه ، العزم على عمل جميع ما أوجب الله على الحاج عمله ، وترك جميع ما أمره الله بتركه .

وقد اختلف أهل التأويل في المعنى الذي يكون به الرجل فارضا الحج ، بعد إجماع جميعهم ، على أن معنى" الفرض" : الإيجاب والإلزام .

فقال بعضهم : فرض الحج الإهلال .

ذكر من قال ذلك :

3554 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا ورقاء ، عن عبد الله المدني بن دينار ، عن ابن عمر قوله : " فمن فرض فيهن الحج " قال : من أهل بحج .

3555 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : [ ص: 122 ] أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن العلاء بن المسيب ، عن عطاء ، قال : التلبية .

3556 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران وحدثنا علي ، قال : حدثنا زيد ، جميعا عن سفيان الثوري : " فمن فرض فيهن الحج " قال : فالفريضة الإحرام ، والإحرام التلبية .

3557 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن إبراهيم - يعني ابن مهاجر - ، عن مجاهد : " فمن فرض فيهن الحج " قال : الفريضة : التلبية .

3558 - حدثنا أحمد بن حازم ، قال : حدثنا ورقاء عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر : " فمن فرض فيهن الحج " قال : أهل .

3559 - حدثني أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا شريك ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : الفرض التلبية ، ويرجع إن شاء ما لم يحرم .

3560 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " فمن فرض فيهن الحج " قال : الفرض : الإهلال .

3561 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه : " فمن فرض فيهن الحج " قال : التلبية .

3562 - حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن مسلم ، قال : حدثنا أبو عمرو الضرير ، قال : أخبرنا حماد بن سلمة ، عن جبر بن حبيب ، قال : سألت القاسم بن محمد عن : " من فرض فيهن الحج" ، قال : إذا اغتسلت ولبست ثوبك ولبيت ، فقد فرضت الحج . [ ص: 123 ]

وقال آخرون : فرض الحج إحرامه .

ذكر من قال ذلك :

3563 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : " فمن فرض فيهن الحج " يقول : من أحرم بحج أو عمرة .

3564 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن وحدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم قالوا جميعا : حدثنا سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم : " فمن فرض فيهن الحج " قال : فمن أحرم - واللفظ لحديث ابن بشار .

3565 - حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا شريك والحسن بن صالح ، عن ليث ، عن عطاء ، قال : الفرض : الإحرام .

3566 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا الحجاج ، عن عطاء وبعض أشياخنا عن الحسن في قوله : " فمن فرض فيهن الحج " قالا فرض الحج الإحرام .

3567 - حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " فمن فرض فيهن الحج " فهذا عند الإحرام .

3568 - حدثنا أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا حسين بن عقيل ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : الفرض الإحرام .

3569 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا [ ص: 124 ] حسين بن عقيل الخراساني ، قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول ، فذكر مثله .

3570 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، قال : أخبرنا المغيرة ، عن إبراهيم : " فمن فرض فيهن الحج " قال : من أحرم .

قال أبو جعفر : وهذا القول الثاني يحتمل أن يكون بمعنى ما قلنا من أن يكون الإحرام - كان عند قائله - الإيجاب بالعزم ، ويحتمل أن يكون كان عنده بالعزم والتلبية ، كما قال القائلون القول الأول .

وإنما قلنا : إن فرض الحج الإحرام ، لإجماع الجميع على ذلك . وقلنا : إن الإحرام هو إيجاب الرجل ما يلزم المحرم أن يوجبه على نفسه ، على ما وصفنا آنفا ؛ لأنه لا يخلو القول في ذلك من أحد أمور ثلاثة :

إما أن يكون الرجل غير محرم إلا بالتلبية وفعل جميع ما يجب على الموجب الإحرام على نفسه فعله ، فإن يكن ذلك كذلك ، فقد يجب أن لا يكون محرما إلا بالتجرد للإحرام ، وأن يكون من لم يكن له متجردا فغير محرم . وفي إجماع الجميع على أنه قد يكون محرما وإن لم يكن متجردا من ثيابه ، بإيجابه الإحرام ما يدل على أنه قد يكون محرما وإن لم يلب ، إذ كانت التلبية بعض مشاعر الإحرام ، كما التجرد له بعض مشاعره . وفي إجماعهم على أنه قد يكون محرما بترك بعض مشاعر حجه ، ما يدل على أن حكم غيره من مشاعره حكمه .

أو يكون - إذ فسد هذا القول - قد يكون محرما وإن لم يلب ولم يتجرد ولم يعزم العزم الذي وصفنا . وفي إجماع الجميع على أنه لا يكون محرما من لم يعزم على الإحرام ويوجبه على نفسه ، إذا كان من أهل التكليف ، ما ينبئ عن فساد هذا القول .

وإذ فسد هذان الوجهان فبينة صحة الوجه الثالث ، وهو أن الرجل قد يكون [ ص: 125 ] محرما بإيجابه الإحرام بعزمه على سبيل ما بينا ، وإن لم يظهر ذلك بالتجرد والتلبية وصنيع بعض ما عليه عمله من مناسكه . وإذا صح ذلك صح ما قلنا من أن فرض الحج ، هو ما قرن إيجابه بالعزم ، على نحو ما بينا قبل .

التالي السابق


الخدمات العلمية