الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى ( وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور ( 210 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بذلك : وفصل القضاء بالعدل بين الخلق ، على ما ذكرناه قبل عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : من أخذ الحق لكل مظلوم من كل ظالم ، حتى القصاص للجماء من القرناء من البهائم " .

وأما قوله : " وإلى الله ترجع الأمور " ، فإنه يعني : وإلى الله يؤول القضاء بين خلقه يوم القيامة ، والحكم بينهم في أمورهم التي جرت في الدنيا ، من ظلم بعضهم بعضا ، واعتداء المعتدي منهم حدود الله ، وخلاف أمره ، وإحسان المحسن منهم ، وطاعته إياه فيما أمره به - فيفصل بين المتظالمين ، ويجازي أهل الإحسان بالإحسان ، [ ص: 270 ] وأهل الإساءة بما رأى ، ويتفضل على من لم يكن منهم كافرا فيعفو . ولذلك قال جل ثناؤه : " وإلى الله ترجع الأمور " ، وإن كانت أمور الدنيا كلها والآخرة ، من عنده مبدؤها ، وإليه مصيرها ، إذ كان خلقه في الدنيا يتظالمون ، ويلي النظر بينهم أحيانا في الدنيا بعض خلقه ، فيحكم بينهم بعض عبيده ، فيجور بعض ويعدل بعض ، ويصيب واحد ويخطئ واحد ، ويمكن من تنفيذ الحكم على بعض ، ويتعذر ذلك على بعض ، لمنعة جانبه وغلبته بالقوة . فأعلم عباده تعالى ذكره أن مرجع جميع ذلك إليه في موقف القيامة ، فينصف كلا من كل ، ويجازي حق الجزاء كلا حيث لا ظلم ولا ممتنع من نفوذ حكمه عليه ، وحيث يستوي الضعيف والقوي ، والفقير والغني ، ويضمحل الظلم وينزل سلطان العدل .

وإنما أدخل جل وعز" الألف واللام" في"الأمور" ؛ لأنه جل ثناؤه عنى بها جميع الأمور ، ولم يعن بها بعضا دون بعض ، فكان ذلك بمعنى قول القائل : "يعجبني العسل - والبغل أقوى من الحمار" ، فيدخل فيه"الألف واللام" ؛ لأنه لم يقصد به قصد بعض دون بعض ، إنما يراد به العموم والجمع .

التالي السابق


الخدمات العلمية