الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله : ( أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت

قال أبو جعفر : ومعنى ذلك : ( يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا ) ( أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر [ ص: 542 ] ) الآية .

ومعنى قوله : ( أيود أحدكم ) أيحب أحدكم ، أن تكون له جنة - يعني بستانا . ( من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار ) يعني : من تحت الجنة ( وله فيها من كل الثمرات ) ، " والهاء " في قوله : ( له ) عائدة على " أحد " و " الهاء " و " الألف " في : ( فيها ) على الجنة ، ( وأصابه ) يعني : وأصاب أحدكم ( الكبر وله ذرية ضعفاء ) .

وإنما جعل - جل ثناؤه - البستان من النخيل والأعناب الذي قال - جل ثناؤه - لعباده المؤمنين : أيود أحدكم أن تكون له مثلا لنفقة المنافق التي ينفقها رياء الناس ، لا ابتغاء مرضاة الله ، فالناس - بما يظهر لهم من صدقته ، وإعطائه لما يعطي وعمله الظاهر - يثنون عليه ويحمدونه بعمله ذلك أيام حياته في حسنه كحسن البستان وهي الجنة التي ضربها الله عز وجل لعمله مثلا من نخيل وأعناب ، له فيها من كل الثمرات ؛ لأن عمله ذلك الذي يعمله في الظاهر في الدنيا ، له فيه من كل خير من عاجل الدنيا ، يدفع به عن نفسه ودمه وماله وذريته ، ويكتسب به المحمدة وحسن الثناء عند الناس ، ويأخذ به سهمه من المغنم مع أشياء كثيرة يكثر إحصاؤها ، فله في ذلك من كل خير في الدنيا ، كما وصف - جل ثناؤه - الجنة التي وصف مثلا لعمله ، بأن فيها من كل الثمرات . [ ص: 543 ]

ثم قال جل ثناؤه : ( وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء ) يعني أن صاحب الجنة أصابه الكبر ( وله ذرية ضعفاء ) صغار أطفال . ( فأصابها ) يعني : فأصاب الجنة - ( إعصار فيه نار فاحترقت ) ، يعني بذلك أن جنته تلك أحرقتها الريح التي فيها النار ، في حال حاجته إليها ، وضرورته إلى ثمرتها بكبره ، وضعفه عن عمارتها ، وفي حال صغر ولده وعجزه عن إحيائها والقيام عليها . فبقي لا شيء له ، أحوج ما كان إلى جنته وثمارها ، بالآفة التي أصابتها من الإعصار الذي فيه النار .

يقول : فكذلك المنفق ماله رياء الناس ، أطفأ الله نوره ، وأذهب بهاء عمله ، وأحبط أجره حتى لقيه ، وعاد إليه أحوج ما كان إلى عمله ، حين لا مستعتب له ، ولا إقالة من ذنوبه ولا توبة ، واضمحل عمله كما احترقت الجنة التي وصف - جل ثناؤه - صفتها عند كبر صاحبها وطفولة ذريته أحوج ما كان إليها فبطلت منافعها عنه .

وهذا المثل الذي ضربه الله للمنفقين أموالهم رياء الناس في هذه الآية نظير المثل الآخر الذي ضربه لهم بقوله : ( فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا ) .

قال أبو جعفر : وقد تنازع أهل التأويل في تأويل هذه الآية ، إلا أن معاني قولهم في ذلك - وإن اختلفت تصاريفهم فيها - عائدة إلى المعنى الذي قلنا في ذلك ، وأحسنهم إبانة لمعناها وأقربهم إلى الصواب قولا فيها السدي . [ ص: 544 ]

6091 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت ) هذا مثل آخر لنفقة الرياء . إنه ينفق ماله يرائي الناس به ، فيذهب ماله منه وهو يرائي ، فلا يأجره الله فيه . فإذا كان يوم القيامة واحتاج إلى نفقته ، وجدها قد أحرقها الرياء ، فذهبت كما أنفق هذا الرجل على جنته ، حتى إذا بلغت وكثر عياله واحتاج إلى جنته جاءت ريح فيها سموم فأحرقت جنته ، فلم يجد منها شيئا . فكذلك المنفق رياء .

6092 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : ( أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب ) كمثل المفرط في طاعة الله حتى يموت . قال : يقول : أيود أحدكم أن يكون له دنيا لا يعمل فيها بطاعة الله ، كمثل هذا الذي له جنات تجري من تحتها الأنهار ، ( له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت ) ، فمثله بعد موته كمثل هذا حين أحرقت جنته وهو كبير ، لا يغني عنها شيئا ، وولده صغار لا يغنون عنها شيئا ، وكذلك المفرط بعد الموت كل شيء عليه حسرة .

6093 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

6094 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن عبد الملك ، عن عطاء قال : سأل عمر الناس عن هذه الآية فما وجد أحدا يشفيه ، حتى قال ابن عباس وهو خلفه : يا أمير المؤمنين ، إني أجد في نفسي منها شيئا ، قال : فتلفت إليه ، فقال : تحول ههنا ، لم تحقر نفسك ؟ قال : هذا مثل ضربه الله عز وجل [ ص: 545 ] فقال : أيود أحدكم أن يعمل عمره بعمل أهل الخير وأهل السعادة ، حتى إذا كان أحوج ما يكون إلى أن يختمه بخير حين فني عمره ، واقترب أجله ، ختم ذلك بعمل من عمل أهل الشقاء ، فأفسده كله فحرقه أحوج ما كان إليه .

6095 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن محمد بن سليم ، عن ابن أبي مليكة : أن عمر تلا هذه الآية : " أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب " قال : هذا مثل ضرب للإنسان يعمل عملا صالحا ، حتى إذا كان عنده آخر عمره أحوج ما يكون إليه ، عمل عمل السوء .

6096 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن ابن جريج قال : سمعت أبا بكر بن أبي مليكة يخبر عن عبيد بن عمير أنه سمعه يقول : سأل عمر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : فيم ترون أنزلت : " أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب " ؟ فقالوا : الله أعلم . فغضب عمر فقال : قولوا : " نعلم " أو " لا نعلم " . فقال ابن عباس : في نفسي منها شيء ، يا أمير المؤمنين . فقال عمر : قل يا ابن أخي ، ولا تحقر نفسك ! قال ابن عباس : ضربت مثلا لعمل . قال عمر : أي عمل ؟ قال : لعمل . فقال عمر : رجل غني يعمل الحسنات ، ثم بعث الله له الشيطان ، فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله كلها قال : وسمعت عبد الله بن أبي مليكة يحدث نحو هذا عن ابن عباس ، سمعه منه . [ ص: 546 ]

6097 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : سمعت أبا بكر بن أبي مليكة يخبر أنه سمع عبيد بن عمير قال : ابن جريج : وسمعت عبد الله بن أبي مليكة قال : سمعت ابن عباس قالا جميعا : إن عمر بن الخطاب سأل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر نحوه ، إلا أنه قال عمر : للرجل يعمل بالحسنات ، ثم يبعث له الشيطان فيعمل بالمعاصي .

6098 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : سألت عطاء عنها ثم قال ابن جريج : وأخبرني عبد الله بن كثير ، عن مجاهد قالا ضربت مثلا للأعمال . قال ابن جريج : وقال ابن عباس : ضربت مثلا للعمل يبدأ فيعمل عملا صالحا ، فيكون مثلا للجنة التي من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار ، له فيها من كل الثمرات - ثم يسيء في آخر عمره ، فيتمادى على الإساءة حتى يموت على ذلك ، فيكون الإعصار الذي فيه النار التي أحرقت الجنة مثلا لإساءته التي مات وهو عليها . قال ابن عباس : الجنة عيشه وعيش ولده فاحترقت ، فلم يستطع أن يدفع عن جنته من أجل كبره ، ولم يستطع ذريته أن يدفعوا عن جنتهم من أجل صغرهم حتى احترقت .

يقول : هذا مثله ، يلقاني وهو أفقر ما كان إلي ، فلا يجد له عندي شيئا ، ولا يستطيع أن يدفع عن نفسه من عذاب الله شيئا ، ولا يستطيع من كبره وصغر أولاده أن يعملوا جنة ، كذلك لا توبة إذا انقطع العمل حين مات . قال [ ص: 547 ] ابن جريج ، عن مجاهد : سمعت ابن عباس قال : هو مثل المفرط في طاعة الله حتى يموت . قال ابن جريج ، وقال مجاهد : أيود أحدكم أن تكون له دنيا لا يعمل فيها بطاعة الله كمثل هذا الذي له جنة فمثله بعد موته كمثل هذا حين أحرقت جنته وهو كبير لا يغني عنها شيئا ، وأولاده صغار ولا يغنون عنه شيئا . وكذلك المفرط بعد الموت ، كل شيء عليه حسرة .

6099 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار " الآية . يقول : أصابها ريح فيها سموم شديدة " كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون " : فهذا مثل ، فاعقلوا عن الله - جل وعز - أمثاله ، فإنه قال : ( وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ) [ سورة العنكبوت : 43 ] . هذا رجل كبرت سنه ، ورق عظمه ، وكثر عياله ، ثم احترقت جنته على بقية ذلك ، كأحوج ما يكون إليه ، يقول : أيحب أحدكم أن يضل عنه عمله يوم القيامة كأحوج ما يكون إليه ؟

6100 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " أيود أحدكم أن تكون له جنة " إلى قوله : " فاحترقت " يقول : فذهبت جنته كأحوج ما كان إليها حين كبرت سنه وضعف عن الكسب " وله ذرية ضعفاء " لا ينفعونه . قال : وكان الحسن يقول : " فاحترقت " فذهبت أحوج ما كان إليها ، فذلك قوله : أيود أحدكم أن يذهب عمله أحوج [ ص: 548 ] ما كان إليه ؟

6101 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ضرب الله مثلا حسنا ، وكل أمثاله حسن - تبارك وتعالى - وقال قال : " أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل " إلى قوله : " فيها من كل الثمرات " يقول : صنعه في شبيبته ، فأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء عند آخر عمره ، فجاءه إعصار فيه نار فاحترق بستانه ، فلم يكن عنده قوة أن يغرس مثله ، ولم يكن عند نسله خير يعودون عليه . وكذلك الكافر يوم القيامة ، إذا رد إلى الله - تعالى - ليس له خير فيستعتب ، كما ليس له قوة فيغرس مثل بستانه ، ولا يجد خيرا قدم لنفسه يعود عليه ، كما لم يغن عن هذا ولده ، وحرم أجره عند أفقر ما كان إليه ، كما حرم هذا جنته عند أفقر ما كان إليها عند كبره وضعف ذريته . وهو مثل ضربه الله للمؤمن والكافر فيما أوتيا في الدنيا : كيف نجى المؤمن في الآخرة ، وذخر له من الكرامة والنعيم ، وخزن عنه المال في الدنيا ، وبسط للكافر في الدنيا من المال ما هو منقطع ، وخزن له من الشر ما ليس بمفارقه أبدا ، ويخلد فيها مهانا ، من أجل أنه [ فخر على صاحبه ] ووثق بما عنده ، ولم يستيقن أنه ملاق ربه . [ ص: 549 ]

6102 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع أيود أحدكم أن تكون له جنة " الآية ، قال : [ هذا مثل ضربه الله ] : أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب [ له فيها من كل الثمرات ] ، والرجل [ قد كبر سنه وضعف ] ، وله أولاد صغار [ وابتلاهم الله ] في جنتهم ، فبعث الله عليها إعصارا فيه نار فاحترقت ، فلم يستطع الرجل أن يدفع عن جنته من الكبر ، ولا ولده لصغرهم ، فذهبت جنته أحوج ما كان إليها . يقول : أيحب أحدكم أن يعيش في الضلالة والمعاصي حتى يأتيه الموت ، فيجيء يوم القيامة قد ضل عنه عمله أحوج ما كان إليه ؟ فيقول : ابن آدم ، أتيتني أحوج ما كنت قط إلى خير ، فأين ما قدمت لنفسك ؟

6103 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : وقرأ قول الله - عز وجل - يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى " ثم ضرب ذلك مثلا فقال : " أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب " حتى بلغ " فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت " . قال : جرت أنهارها وثمارها ، وله ذرية ضعفاء ، فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت . أيود أحدكم هذا ؟ كما يتجمل أحدكم إذ يخرج من صدقته ونفقته ، حتى إذا كان له عندي جنة وجرت أنهارها وثمارها ، [ ص: 550 ] وكانت لولده وولد ولده أصابها ريح إعصار فحرقها .

6104 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : " أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار " رجل غرس بستانا فيه من كل الثمرات ، فأصابه الكبر ، وله ذرية ضعفاء ، فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت ، فلا يستطيع أن يدفع عن بستانه من كبره ، ولم يستطع ذريته أن يدفعوا عن بستانه ، فذهبت معيشته ومعيشة ذريته . فهذا مثل ضربه الله للكافر ، يقول : يلقاني يوم القيامة وهو أحوج ما يكون إلى خير يصيبه ، فلا يجد له عندي خيرا ، ولا يستطيع أن يدفع عن نفسه من عذاب الله شيئا .

قال أبو جعفر : وإنما دللنا أن الذي هو أولى بتأويل ذلك ما ذكرناه ؛ لأن الله - جل ثناؤه - تقدم إلى عباده المؤمنين بالنهي عن المن والأذى في صدقاتهم ، ثم ضرب مثلا لمن من وآذى من تصدق عليه بصدقة ، فمثله بالمرائي من المنافقين المنفقين أموالهم رئاء الناس . وكانت قصة هذه الآية وما قبلها من المثل نظيرة ما ضرب لهم من المثل قبلها ، فكان إلحاقها بنظيرتها أولى من حمل تأويلها على أنه مثل ما لم يجر له ذكر قبلها ولا معها .

فإن قال لنا قائل : وكيف قيل : " وأصابه الكبر " وهو فعل ماض ، فعطف به على قوله : " أيود أحدكم " ؟

قيل : إن ذلك كذلك ؛ لأن قوله : " أيود " يصح أن يوضع فيه " لو " مكان " أن " فلما صلحت ب " لو " " وأن " ومعناهما جميعا الاستقبال ، استجازت العرب أن [ ص: 551 ] يردوا " فعل " بتأويل " لو " على " يفعل " مع " أن " فلذلك قال : " فأصابها " وهو في مذهبه بمنزلة " لو " إذ ضارعت " أن " في معنى الجزاء ، فوضعت في مواضعها ، وأجيبت " أن " بجواب " لو " " ولو " بجواب " أن " فكأنه قيل : أيود أحدكم لو كانت له جنة من نخيل وأعناب ، تجري من تحتها الأنهار ، له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر ؟ .

فإن قال : وكيف قيل ههنا : " وله ذرية ضعفاء " وقال في [ النساء : 9 ] ، ( وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا ) ؟

قيل : لأن " فعيلا " يجمع على " فعلاء " و " فعال " فيقال : " رجل ظريف من قوم ظرفاء وظراف .

وأما " الإعصار " فإنه الريح العاصف ، تهب من الأرض إلى السماء كأنها عمود ، تجمع " أعاصير " ومنه قول يزيد بن مفرغ الحميري :


أناس أجارونا فكان جوارهم أعاصير من فسو العراق المبذر

[ ص: 552 ]

قال أبو جعفر : واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " إعصار فيه نار فاحترقت " .

فقال بعضهم : معنى ذلك : ريح فيها سموم شديدة .

ذكر من قال ذلك :

6105 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال : حدثنا يوسف بن خالد السمتي قال : حدثنا نافع بن مالك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : " إعصار فيه نار " ريح فيها سموم شديدة .

6106 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن عطية قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، عن ابن عباس في : " إعصار فيه نار " قال : السموم الحارة التي خلق منها الجان ، التي تحرق . [ ص: 553 ]

6107 - حدثنا أحمد قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، عن ابن عباس : " فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت " قال : هي السموم الحارة التي لا تبقي أحدا .

6108 - حدثنا المثنى قال : حدثنا الحماني قال : حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، عن ابن عباس : " إعصار فيه نار فاحترقت " التي تقتل .

6109 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عمن ذكره ، عن ابن عباس قال : إن السموم التي خلق منها الجان جزء من سبعين جزءا من النار .

6110 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " إعصار فيه نار فاحترقت " هي ريح فيها سموم شديد .

6111 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : " إعصار فيه نار " قال : سموم شديد .

6112 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " إعصار فيه نار " يقول : أصابها ريح فيها سموم شديدة .

6113 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة نحوه .

6114 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن [ ص: 554 ] السدي : " إعصار فيه نار فاحترقت " أما الإعصار فالريح ، وأما النار فالسموم .

6115 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " إعصار فيه نار " يقول : ريح فيها سموم شديد .

وقال آخرون : هي ريح فيها برد شديد .

ذكر من قال ذلك :

6116 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر قال : كان الحسن يقول في قوله : " إعصار فيه نار فاحترقت " فيها صر وبرد .

6117 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك : " إعصار فيه نار فاحترقت " يعني بالإعصار : ريح فيها برد .

التالي السابق


الخدمات العلمية