الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 311 ] القول في تأويل قوله ( وترزق من تشاء بغير حساب ( 27 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : أنه يعطى من يشاء من خلقه فيجود عليه ، بغير محاسبة منه لمن أعطاه ، لأنه لا يخاف دخول انتقاص في خزائنه ، ولا الفناء على ما بيده ، كما : -

6823 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : " وترزق من تشاء بغير حساب " قال : يخرج الرزق من عنده بغير حساب ، لا يخاف أن ينقص ما عنده تبارك وتعالى .

قال أبو جعفر : فتأويل الآية إذا : اللهم يا مالك الملك تؤتي الملك من تشاء ، وتنزع الملك ممن تشاء ، وتعز من تشاء ، وتذل من تشاء ، بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ، دون من ادعى الملحدون أنه لهم إله ورب وعبدوه دونك ، أو اتخذوه شريكا معك ، أو أنه لك ولد وبيدك القدرة التي تفعل هذه الأشياء وتقدر بها على كل شيء ، تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل ، فتنقص من هذا وتزيد في هذا ، وتنقص من هذا وتزيد في هذا ، وتخرج من ميت حيا ومن حي ميتا ، وترزق من تشاء بغير حساب من خلقك ، لا يقدر على ذلك أحد سواك ، ولا يستطيعه غيرك ، كما : -

6824 - حدثني ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : " تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي ، أي : بتلك القدرة يعني : بالقدرة التي تؤتي [ ص: 312 ] الملك بها من تشاء وتنزعه ممن تشاء " وترزق من تشاء بغير حساب " لا يقدر على ذلك غيرك ، ولا يصنعه إلا أنت . أي : فإن كنت سلطت عيسى على الأشياء التي بها يزعمون أنه إله : من إحياء الموتى ، وإبراء الأسقام ، والخلق للطير من الطين ، والخبر عن الغيوب ، لتجعله آية للناس ، وتصديقا له في نبوته التي بعثته بها إلى قومه - فإن من سلطاني وقدرتي ما لم أعطه : تمليك الملوك ، وأمر النبوة ووضعها حيث شئت ، وإيلاج الليل في النهار والنهار في الليل ، وإخراج الحي من الميت والميت من الحي ، ورزق من شئت من بر أو فاجر بغير حساب . فكل ذلك لم أسلط عيسى عليه ، ولم أملكه إياه ، فلم تكن لهم في ذلك عبرة وبينة : أن لو كان إلها ، لكان ذلك كله إليه ، وهو في علمهم يهرب من الملوك ، وينتقل منهم في البلاد من بلد إلى بلد ! !

التالي السابق


الخدمات العلمية