الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله - جل ثناؤه - ( فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : " فلما وضعتها " فلما وضعت حنة النذيرة ، ولذلك أنث . ولو كانت " الهاء " عائدة على " ما " التي في قوله : " إني نذرت لك ما في بطني محررا " لكان الكلام : " فلما وضعته قالت رب إني وضعته أنثى " .

ومعنى قوله : ( وضعتها ) " ولدتها . يقال منه : " وضعت المرأة تضع وضعا " . [ ص: 334 ]

" قالت رب إني وضعتها أنثى أي : ولدت النذيرة أنثى " والله أعلم بما وضعت " .

واختلف القرأة في قراءة ذلك .

فقرأته عامة القرأة : ( وضعت ) خبرا من الله - عز وجل - عن نفسه : أنه العالم بما وضعت من غير قيلها : " رب إني وضعتها أنثى " .

وقرأ ذلك بعض المتقدمين : " والله أعلم بما وضعت على وجه الخبر بذلك عن أم مريم أنها هي القائلة : " والله أعلم بما ولدت مني " .

قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب ما نقلته الحجة مستفيضة فيها قراءته بينها ، لا يتدافعون صحتها . وذلك قراءة من قرأ " والله أعلم بما وضعت " ولا يعترض بالشاذ عنها عليها .

فتأويل الكلام إذا : والله أعلم من كل خلقه بما وضعت ثم رجع - جل ذكره - إلى الخبر عن قولها ، وأنها قالت - اعتذارا إلى ربها مما كانت نذرت في حملها فحررته لخدمة ربها - : " وليس الذكر كالأنثى " ؛ لأن الذكر أقوى على الخدمة وأقوم بها ، وأن الأنثى لا تصلح في بعض الأحوال لدخول القدس والقيام بخدمة الكنيسة ؛ لما يعتريها من الحيض والنفاس " وإني سميتها مريم " كما : -

6877 - حدثني ابن حميد قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : " فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى " أي : لما جعلتها محررا له نذيرة .

6878 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني ابن إسحاق : [ ص: 335 ] " وليس الذكر كالأنثى " لأن الذكر هو أقوى على ذلك من الأنثى .

6879 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " وليس الذكر كالأنثى " كانت المرأة لا يستطاع أن يصنع بها ذلك - يعني - أن تحرر للكنيسة فتجعل فيها تقوم عليها وتكنسها فلا تبرحها مما يصيبها من الحيض والأذى ، فعند ذلك قالت : " ليس الذكر كالأنثى " .

6880 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : " قالت رب إني وضعتها أنثى " وإنما كانوا يحررون الغلمان - قال : " وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم " .

6881 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال : كانت امرأة عمران حررت لله ما في بطنها ، وكانت على رجاء أن يهب لها غلاما ؛ لأن المرأة لا تستطيع ذلك - يعني - القيام على الكنيسة لا تبرحها ، وتكنسها لما يصيبها من الأذى .

6882 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أن امرأة عمران ظنت أن ما في بطنها غلام ، فوهبته لله . فلما وضعت إذا هي جارية ، فقالت تعتذر إلى الله : " رب إني وضعتها أنثى ، وليس الذكر كالأنثى " تقول : إنما يحرر الغلمان . يقول الله : " والله أعلم بما وضعت " فقالت : " وإني سميتها مريم " . [ ص: 336 ]

6883 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن القاسم بن أبي بزة : أنه أخبره عن عكرمة وأبي بكر ، عن عكرمة : " فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى " " وليس الذكر كالأنثى " يعني : في المحيض ، ولا ينبغي لامرأة أن تكون مع الرجال . أمها تقول ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية