الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ( ما أنت بنعمة ربك بمجنون ( 2 ) وإن لك لأجرا غير ممنون ( 3 ) وإنك لعلى خلق عظيم ( 4 ) )

                                                                                                                                                                                                                                      ( ما أنت بنعمة ربك بمجنون ) [ هو ] جواب لقولهم ياأيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون ( الحجر - 6 ) فأقسم الله بالنون والقلم وما يكتب من الأعمال فقال : ( ما أنت بنعمة ربك ) بنبوة ربك ( بمجنون ) أي : إنك لا تكون مجنونا وقد أنعم الله عليك بالنبوة والحكمة . وقيل : بعصمة ربك . وقيل : هو كما يقال : ما أنت بمجنون [ والحمد لله ] وقيل : معناه ما أنت بمجنون والنعمة لربك ، كقولهم : سبحانك اللهم وبحمدك ، أي : والحمد لك .

                                                                                                                                                                                                                                      ( وإن لك لأجرا غير ممنون ) أي : منقوص ولا مقطوع بصبرك على افترائهم عليك .

                                                                                                                                                                                                                                      ( وإنك لعلى خلق عظيم ) قال ابن عباس ومجاهد : دين عظيم لا دين أحب إلي ولا أرضى عندي منه ، وهو دين الإسلام . وقال الحسن : هو آداب القرآن .

                                                                                                                                                                                                                                      سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : كان خلقه القرآن . [ ص: 188 ]

                                                                                                                                                                                                                                      وقال قتادة : هو ما كان يأتمر به من أمر الله وينتهي عنه من نهي الله ، والمعنى إنك على الخلق الذي أمرك الله به في القرآن .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : سمى الله خلقه عظيما لأنه امتثل تأديب الله إياه بقوله : " خذ العفو " الآية ( الأعراف - 198 ) .

                                                                                                                                                                                                                                      وروينا عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الله بعثني لتمام مكارم الأخلاق ، وتمام محاسن الأفعال " .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف [ حدثنا محمد بن إسماعيل ] حدثنا أحمد بن سعيد أبو عبد الله ، حدثنا إسحاق بن منصور ، حدثنا إبراهيم بن يوسف ، عن أبيه عن أبي إسحاق قال : سمعت البراء يقول : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس وجها وأحسنهم خلقا ليس بالطويل البائن ولا بالقصير .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني ، أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي ، أخبرنا أبو سعيد الهيثم بن كليب الشاشي ، حدثنا أبو عيسى الترمذي ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي عن ثابت عن أنس بن مالك قال : خدمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين فما قال لي أف قط [ وما ] قال لشيء صنعته : لم صنعته ؟ ولا لشيء تركته : لم تركته ؟ وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أحسن الناس خلقا ولا مسست خزا [ قط ] ولا حريرا ولا شيئا [ كان ] ألين من كف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا شممت مسكا ولا عطرا كان أطيب من عرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . [ ص: 189 ]

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار ، حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى البرني ، حدثنا محمد بن كثير ، حدثنا سفيان الثوري عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن مسروق ، عن عبد الله بن عمر قال : " إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن فاحشا ولا متفحشا وكان يقول : " خياركم أحسنكم أخلاقا " .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، أخبرنا أبو العباس الأصم ، حدثنا محمد بن هشام بن ملاس ، حدثنا مروان الفزاري ، حدثنا حميد الطويل ، عن أنس أن امرأة عرضت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طريق من طرق المدينة فقالت : يا رسول الله إن لي إليك حاجة فقال : يا أم فلان اجلسي في أي سكك المدينة شئت أجلس إليك ، قال : ففعلت فقعد إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى [ قضى ] حاجتها .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل قال : [ حدثنا ] محمد بن عيسى ، حدثنا هشيم ، أخبرنا حميد الطويل ، حدثنا أنس بن مالك قال : إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتنطلق به حيث شاءت .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو محمد بن عبد الرحمن بن أبي شريح ، أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ، حدثنا علي بن الجعد ، أخبرنا عمران بن يزيد التغلبي ، عن زيد [ ابن العمي ] عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صافح الرجل لم ينزع يده من يده [ حتى يكون هو الذي ينزع يده ] ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون هو الذي يصرف وجهه [ عن وجهه ] ولم ير مقدما ركبتيه بين يدي جليس له . [ ص: 190 ]

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد ، أخبرنا أبو القاسم الخزاعي ، أخبرنا الهيثم بن كليب ، حدثنا أبو عيسى ، حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني ، حدثنا عبيدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : ما ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله ، ولا ضرب خادما ولا امرأة .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا إسماعيل بن عبد الله ، حدثني مالك بن إسحاق عن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس قال كنت أمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته ، ثم قال : يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم ضحك ثم أمر له بعطاء .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ، أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا علي بن المديني ، حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار ، عن ابن أبي مليكة ، عن يعلى بن مملك ، عن أم الدرداء تحدث عن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن أثقل شيء يوضع في ميزان المؤمن يوم القيامة خلق حسن ، وإن الله تعالى يبغض الفاحش البذيء " .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو منصور السمعاني ، أخبرنا أبو جعفر الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا داود بن يزيد [ الأودي ] سمعت أبي يقول سمعت أبا [ ص: 191 ] هريرة يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه : " أتدرون ما أكثر ما يدخل الناس النار ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : فإن أكثر ما يدخل الناس النار الأجوفان : الفرج والفم ، أتدرون ما أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : فإن أكثر ما يدخل الناس الجنة : تقوى الله وحسن الخلق " .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، حدثنا أبو العباس الأصم ، حدثنا محمد بن عبد الله [ بن عبد ] الحكم ، أخبرنا أبي وشعيب قالا حدثنا الليث عن [ ابن ] الهاد عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن عبد الله عن عائشة قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار " .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية