الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        5287 حدثنا أبو عاصم عن الأوزاعي عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب لبنا فمضمض وقال إن له دسما وقال إبراهيم بن طهمان عن شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رفعت إلى السدرة فإذا أربعة أنهار نهران ظاهران ونهران باطنان فأما الظاهران النيل والفرات وأما الباطنان فنهران في الجنة فأتيت بثلاثة أقداح قدح فيه لبن وقدح فيه عسل وقدح فيه خمر فأخذت الذي فيه اللبن فشربت فقيل لي أصبت الفطرة أنت وأمتك قال هشام وسعيد وهمام عن قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأنهار نحوه ولم يذكروا ثلاثة أقداح

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        حديث ابن عباس في المضمضة من اللبن أي بسبب شرب اللبن ، تقدم شرحه في الطهارة . وقد أخرجه أبو جعفر الطبري من طريق عقيل عن ابن شهاب بصيغة الأمر تمضمضوا من اللبن . الحديث السابع حديث أنس في الأقداح .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال إبراهيم بن طهمان إلخ ) وصله أبو عوانة والإسماعيلي والطبراني في الصغير من طريقه ، ووقع لنا بعلو في " غرائب شعبة لابن منده " قال الطبراني : لم يروه عن شعبة إلا إبراهيم بن طهمان ، تفرد به حفص بن عبد الله النيسابوري عنه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( رفعت إلي سدرة المنتهى ) كذا للأكثر بضم الراء وكسر الفاء وفتح المهملة وسكون المثناة على البناء للمجهول ، والسدرة مرفوعة . وللمستملي دفعت بدال بدل الراء وسكون العين وضم المثناة بنسبة الفعل إلى المتكلم ، وإلى بالسكون حرف جر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال هشام ) يعني الدستوائي ، وهمام يعني ابن يحيى ، وسعيد يعني ابن أبي عروبة ، يعني أنهم اجتمعوا على رواية الحديث عن قتادة فزادوا هم في الإسناد بعد أنس بن مالك " مالك بن صعصعة " ولم يذكره شعبة . وقوله : " في الأنهار نحوه " يريد أنهم توافقوا من المتن على ذكر الأنهار وزادوا هم قصة الإسراء بطولها وليست في رواية شعبة هذه ، ووقع في روايتهم هنا بعد قوله سدرة المنتهى فإذا نبقها كأنه قلال هجر ، وورقها كأنها آذان الفيلة ، في أصلها أربعة أنهار واقتصر شعبة على فإذا أربعة أنهار .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 76 ] قوله : ( ولم يذكروا ثلاثة أقداح ) في رواية الكشميهني " ولم يذكر " بالإفراد ، وظاهر هذا النفي أنه لم يقع ذكر الأقداح في رواية الثلاثة ، وهو معترض بما تقدم في بدء الخلق عن هدبة عن همام بلفظ ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل يحتمل أن يكون المراد بالنفي نفي ذكر الأقداح بخصوصها ، ويحتمل أن تكون رواية الكشميهني التي بالإفراد هي المحفوظة ، والفاعل هشام الدستوائي فإنه تقدم في بدء الخلق من طريق يزيد بن زريع عن سعيد وهشام جميعا عن قتادة بطوله وليس فيه ذكر الآنية أصلا ، لكن أخرجه مسلم من رواية عبد الأعلى عن هشام وفيه ثم أتيت بإناءين أحدهما خمر والآخر لبن ، فعرضا علي ثم أخرجه من طريق معاذ بن هشام عن أبيه نحوه ولم يسق لفظه ، وقد ساقه النسائي من رواية يحيى القطان عن هشام وليس فيه ذكر الآنية أصلا ، فوضح من هذا أن رواية همام فيها ذكر ثلاثة ، وإن كان لم يصرح بذكر العدد ولا وصف الظرف ، ورواية سعيد فيها ذكر إناءين فقط ، ورواية هشام ليس فيها ذكر شيء من ذلك أصلا ، وقد رجح الإسماعيلي رواية إناءين فقال عقب حديث شعبة هنا : هذا حديث شعبة ، وحديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة المذكور أول الباب أصح إسنادا من هذا ، وأولى من هذا . كذا قال ، مع أنه أخرج حديث همام عن جماعة عن هدبة عنه كما أخرجه البخاري سواء ، والزيادة من الحافظ مقبولة ، وقد توبع ، وذكر إناءين لا ينفي الثالث ، مع أنني قدمت في الكلام على حديث الإسراء أن عرض الآنية على النبي - صلى الله عليه وسلم - وقع مرتين : قبل المعراج وهو في بيت المقدس ، وبعده وهو عند سدرة المنتهى ، وبهذا يرتفع الإشكال جملة . قال ابن المنير : لم يذكر السر في عدوله عن العسل إلى اللبن كما ذكر السر في عدوله عن الخمر ، ولعل السر في ذلك كون اللبن أنفع ، وبه يشتد العظم وينبت اللحم ، وهو بمجرده قوت ، ولا يدخل في السرف بوجه ، وهو أقرب إلى الزهد ، ولا منافاة بينه وبين الورع بوجه . والعسل وإن كان حلالا لكنه من المستلذات التي قد يخشى على صاحبها أن يندرج في قوله - تعالى - : أذهبتم طيباتكم . قلت : ويحتمل أن يكون السر فيه ما وقع في بعض طرق الإسراء أنه - صلى الله عليه وسلم - عطش - كما تقدم في بعض طرقه مبينا هناك - فأتي بالأقداح ، فآثر اللبن دون غيره لما فيه من حصول حاجته دون الخمر والعسل ، فهذا هو السبب الأصلي في إيثار اللبن ، وصادف مع ذلك رجحانه عليهما من عدة جهات . وقد تقدم شيء من هذا في شرح حديث الإسراء . قال ابن المنير : ولا يعكر على ما ذكرته ما سيأتي قريبا أنه كان يحب الحلوى والعسل ، لأنه إنما كان يحبه مقتصدا في تناوله لا في جعله ديدنا ولا تنطعا . ويؤخذ من قول جبريل في الخمر غوت أمتك أن الخمر ينشأ عنها الغي ، ولا يختص ذلك بقدر معين . ويؤخذ من عرض الآنية عليه - صلى الله عليه وسلم - إرادة إظهار التيسير عليه ، وإشارة إلى تفويض الأمور إليه .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 77 ]



                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية