الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر

                                                                                                                                                                                                        5540 حدثني محمد بن عبد الله الأنصاري قال حدثني أبي عن ثمامة عن أنس أن أبا بكر رضي الله عنه لما استخلف كتب له وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر محمد سطر ورسول سطر والله سطر قال أبو عبد الله وزادني أحمد حدثنا الأنصاري قال حدثني أبي عن ثمامة عن أنس قال كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم في يده وفي يد أبي بكر بعده وفي يد عمر بعد أبي بكر فلما كان عثمان جلس على بئر أريس قال فأخرج الخاتم فجعل يعبث به فسقط قال فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان فنزح البئر فلم يجده [ ص: 341 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 341 ] قوله : ( باب هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر ) قال ابن بطال : ليس كون نقش الخاتم ثلاثة أسطر أو سطرين أفضل من كونه سطرا واحدا ، كذا قال . قلت : قد يظهر أثر الخلاف من أنه إذا كان سطرا واحدا يكون الفص مستطيلا لضرورة كثرة الأحرف ، فإذا تعددت الأسطر أمكن كونه مربعا أو مستديرا ، وكل منهما أولى من المستطيل .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثني أبي ) هو عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن ثمامة ) هو ابن عبد الله بن أنس عم عبد الله بن المثنى الراوي ، والسند كله بصريون من آل أنس .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن أنس ) في رواية الإسماعيلي من طريق علي بن المديني عن محمد بن عبد الله الأنصاري " حدثني أبي حدثنا ثمامة حدثني أنس " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إن أبا بكر - رضي الله عنه - لما استخلف كتب له ) لم يذكر المكتوب وقد تقدمت الإشارة إليه في كتاب الزكاة وأنه كتب له مقادير الزكاة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر محمد سطر ورسول سطر والله سطر ) هذا ظاهره أنه لم يكن فيه زيادة على ذلك ، لكن أخرج أبو الشيخ في " أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - " من رواية عرعرة بن البرند بكسر الموحدة والراء بعدها نون ساكنة ثم دال عن عزرة - بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها راء - بن ثابت عن ثمامة عن أنس قال " كان فص خاتم النبي - صلى الله عليه وسلم - حبشيا مكتوبا عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله " وعرعرة ضعفه ابن المديني ، وزيادته هذه شاذة ، وظاهره أيضا أنه كان على هذا الترتيب ، لكن لم تكن كتابته على السياق العادي فإن ضرورة الاحتياج إلى أن يختم به يقتضي أن تكون الأحرف المنقوشة مقلوبة ليخرج الختم مستويا . وأما قول بعض الشيوخ إن كتابته كانت من أسفل إلى فوق يعني أن الجلالة في أعلى الأسطر الثلاثة ومحمد في أسفلها فلم أر التصريح بذلك في شيء من الأحاديث ، بل رواية الإسماعيلي يخالف ظاهرها ذلك ، فإنه قال فيها " محمد سطر والسطر الثاني رسول والسطر الثالث الله " ولك أن تقرأ محمدا بالتنوين وعدمه والله بالرفع وبالجر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وزادني أحمد حدثنا الأنصاري إلى آخره ) هذه الزيادة موصولة ، وأحمد المذكور جزم المزي في " الأطراف " أنه أحمد بن حنبل ، لكن لم أر هذا الحديث في " مسند أحمد " من هذا الوجه أصلا .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 342 ] قوله : ( وفي يد عمر بعد أبي بكر ، فلما كان عثمان جلس على بئر أريس ) وقع في رواية ابن سعد عن الأنصاري " ثم كان في يد عثمان ست سنين ، فلما كان في الست الباقية كنا معه على بئر أريس " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فجعل يعبث به ) في رواية ابن سعد " فجعل يحوله في يده " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فسقط ) في رواية ابن سعد " فوقع في البئر " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان فنزح البئر فلم نجده ) أي في الذهاب والرجوع والنزول إلى البئر والطلوع منها ، ووقع في رواية ابن سعد " فطلبناه مع عثمان ثلاثة أيام فلم نقدر عليه " قال بعض العلماء . كان في خاتمه - صلى الله عليه وسلم - من السر شيء مما كان في خاتم سليمان عليه السلام ، لأن سليمان لما فقد خاتمه ذهب ملكه ، وعثمان لما فقد خاتم النبي - صلى الله عليه وسلم - انتقض عليه الأمر وخرج عليه الخارجون وكان ذلك مبدأ الفتنة التي أفضت إلى قتله واتصلت إلى آخر الزمان . قال ابن بطال : يؤخذ من الحديث أن يسير المال إذا ضاع يجب البحث في طلبه والاجتهاد في تفتيشه ، وقد فعل - صلى الله عليه وسلم - ذلك لما ضاع عقد عائشة وحبس الجيش على طلبه حتى وجد ، كذا قال ، وفيه نظر ، فأما عقد عائشة فقد ظهر أثر ذلك بالفائدة العظيمة التي نشأت عنه وهي رخصة التيمم فكيف يقاس عليه غيره ؟ وأما فعل عثمان فلا ينهض الاحتجاج به أصلا لما ذكر ، لأن الذي يظهر إنما بالغ في التفتيش عليه لكونه أثر النبي - صلى الله عليه وسلم - قد لبسه واستعمله وختم به ، ومثل ذلك يساوي في العادة قدرا عظيما من المال ، وإلا لو كان غير خاتم النبي - صلى الله عليه وسلم - لاكتفي بطلبه بدون ذلك ، وبالضرورة يعلم أن قدر المؤنة التي حصلت في الأيام الثلاثة تزيد على قيمة الخاتم لكن اقتضت صفته عظيم قدره فلا يقاس عليه كل ما ضاع من يسير المال ، قال : وفيه أن من فعل الصالحين العبث بخواتيمهم وما يكون بأيديهم وليس ذلك بعائب لهم ، قلت : وإنما كان كذلك لأن من مثلهم إنما ينشأ عن فكر ، وفكرتهم إنما هي في الخير . قال الكرماني : معنى قوله " يعبث به " يحركه أو يخرجه من إصبعه ثم يدخله فيها وذلك صورة العبث ، وإنما يفعل الشخص ذلك عند تفكره في الأمور . قال ابن بطال : وفيه أن من طلب شيئا ولم ينجح فيه بعد ثلاثة أيام أن له أن يتركه ، ولا يكون بعد الثلاث مضيعا ، وأن الثلاث حد يقع بها العذر في تعذر المطلوبات . وفيه استعمال آثار الصالحين ولباس ملابسهم على جهة التبرك والتيمن بها .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية