الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        5818 حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان حدثنا الأعمش عن أبي وائل عن أبي موسى قال قيل للنبي صلى الله عليه وسلم الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم قال المرء مع من أحب تابعه أبو معاوية ومحمد بن عبيد

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان ) هو الثوري .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن أبي موسى ) هكذا صرح به أبو نعيم ، وأخرجه أبو عوانة من رواية قبيصة عن سفيان الثوري فقال " عن عبد الله " ولم ينسبه ، وهذا يؤيد قول بندار أن عبد الله حيث لم ينسب فالمراد به في هذا الحديث أبو موسى ، وأن من نسبه ظن أنه ابن مسعود لكثرة مجيء ذلك على هذه الصورة في رواية أبي وائل ، ولكنه هنا خرج [ ص: 575 ] عن القاعدة ، وتبين برواية من صرح أنه أبو موسى الأشعري أن المراد بعبد الله بن قيس وهو أبو موسى الأشعري ، ولم أر من صرح في روايته عن ابن الأعمش أنه عبد الله بن مسعود إلا ما وقع في رواية جرير بن عبد الحميد هذه عند البخاري عن قتيبة عنه ، وقد أخرجه مسلم عن إسحاق بن راهويه وعثمان بن أبي شيبة كلاهما عن جرير فقال " عن عبد الله " حسب ، وكذا قال أبو يعلى عن أبي خيثمة ، وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية جعفر بن العباس وأبو عوانة من رواية إسحاق بن إسماعيل كلهم عن جرير به ، وكل من ذكر البخاري أنه تابعه إنما جاء من روايته أيضا عن عبد الله غير منسوب ، وكذا أخرجه أبو عوانة من رواية شيبان عن الأعمش فقال عبد الله ولم ينسبه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( تابعه أبو معاوية ومحمد بن عبيد ) يعني عن الأعمش ، وهذه المتابعة وصلها مسلم عن محمد بن عبد الله بن نمير عنهما وقال في روايته " عن أبي موسى " وهكذا أخرجه أبو عوانة من طريق محمد بن كناسة عن الأعمش ، ووجدت للأعمش فيه إسنادا آخر أخرجه الحسن بن رشيق في " شيوخ مكة " له عن جعفر بن محمد السوسي عن سهل بن عثمان عن حفص بن غياث عن الأعمش عن الشعبي عن عروة بن مضرس به وقال : غريب تفرد به سهل ، قلت : ورجاله ثقات ، إلا أني لا أعرف جعفر بن محمد ، ولعله دخل عليه متن حديث في إسناد حديث .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( جاء رجل ) في حديث أبي موسى " قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - " ووقع في رواية أبي معاوية ومحمد بن عبيد " أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل " وأولى ما فسر به هذا المبهم أنه أبو موسى راوي الحديث ، فعند أبي عوانة من رواية محمد بن كناسة عن الأعمش في هذا الحديث عن شقيق " عن أبي موسى قلت يا رسول الله " فذكر الحديث ، ولكن يعكر عليه ما وقع في رواية وهب بن جرير التي تقدم ذكرها من عند أبي نعيم فإن لفظه " عن عبد الله قال جاء أعرابي فقال : يا رسول الله إني أحب قوما ولا ألحق بهم " الحديث وأبو موسى إن جاز أن يبهم نفسه فيقول أتى رجل فغير جائز أن يصف نفسه بأنه أعرابي ، وقد وقع في حديث صفوان بن عسال الذي أخرجه الترمذي والنسائي وصححه ابن خزيمة من طريق عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش قال " قلت لصفوان بن عسال : هل سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الهوى شيئا ؟ قال : نعم ، كنا مع رسول الله في مسير ، فناداه أعرابي بصوت له جهوري فقال : أيا محمد ، فأجابه النبي - صلى الله عليه وسلم - على قدر ذلك فقال : هاؤم . قال : أرأيت المرء يحب القوم " الحديث وأخرج أبو نعيم في " كتاب المحبين " من طريق مسروق عن عبد الله وهو ابن مسعود قال " أتى أعرابي فقال : يا رسول الله والذي بعثك بالحق إني لأحبك " فذكر الحديث فهذا الأعرابي يحتمل أن يكون هو صفوان بن قدامة ، فقد أخرج الطبراني وصححه أبو عوانة من حديثه قال : " قلت يا رسول الله إني أحبك ، قال : المرء مع من أحب " وقد وقع هذا السؤال لغير من ذكر ، فعند أبي عوانة أيضا وأحمد وأبي داود وابن حبان من طريق عبد الله بن الصامت " عن أبي ذر قال : قلت يا رسول الله الرجل يحب القوم " الحديث ورجاله ثقات ، فإن كان مضبوطا أمكن أن يفسر به المبهم في حديث أبي موسى ، لكن المحفوظ بهذا الإسناد عن أبي ذر " الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه " كذا أخرجه مسلم وغيره ، فلعل بعض رواته دخل عليه حديث في حديث .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كيف تقول في رجل أحب قوما ولم يلحق بهم ) في رواية سفيان الآتية " ولما يلحق بهم " وهي أبلغ فإن النفي بلما أبلغ من النفي بلم ، فيؤخذ منه أن الحكم ثابت ولو بعد اللحاق . ووقع في حديث أنس عند مسلم " ولم يلحق بعملهم " وفي حديث أبي ذر المشار إليه قبل " ولا يستطيع أن يعمل بعملهم " وفي بعض طرق [ ص: 576 ] حديث صفوان بن عسال عند أبي نعيم " ولم يعمل بمثل عملهم " وهو يفسر المراد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( المرء مع من أحب ) قد جمع أبو نعيم طرق هذا الحديث في جزء سماه " كتاب المحبين مع المحبوبين " وبلغ الصحابة فيه نحو العشرين ، وفي رواية أكثرهم بهذا اللفظ ، وفي بعضها بلفظ أنس الآتي عقب هذا .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية