الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        5828 حدثنا عياش بن الوليد حدثنا عبد الأعلى حدثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تسموا العنب الكرم ولا تقولوا خيبة الدهر فإن الله هو الدهر

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ولا تقولوا خيبة الدهر ) كذا للأكثر ، وللنسفي يا خيبة الدهر وفي البخاري واخيبة الدهر الخيبة بفتح الخاء المعجمة وإسكان التحتانية بعدها موحدة الحرمان ، وهي بالنصب على الندبة ، كأنه فقد الدهر لما يصدر عنه مما يكرهه فندبه متفجعا عليه أو متوجعا منه . وقال الداودي : هو دعاء على الدهر بالخيبة وهو كقولهم قحط الله نوءها يدعون على الأرض بالقحط ، وهي كلمة هذا أصلها ثم صارت تقال لكل مذموم . ووقع في رواية العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عند مسلم بلفظ وادهره وادهره ومعنى النهي عن سب الدهر أن من اعتقد أنه الفاعل للمكروه فسبه أخطأ فإن الله هو الفاعل ، فإذا سببتم من أنزل ذلك بكم رجع السب إلى الله ، وقد تقدم شرح الحديث في تفسير سورة الجاثية . ومحصل ما قيل في تأويله ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                                        أحدها : أن المراد بقوله أن الله هو الدهر أي المدبر للأمور .

                                                                                                                                                                                                        ثانيها : أنه على حذف مضاف أي صاحب الدهر .

                                                                                                                                                                                                        ثالثها : التقدير مقلب الدهر ، ولذلك عقبه بقوله بيدي الليل والنهار ووقع في رواية زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ بيدي الليل والنهار أجدده وأبليه وأذهب بالملوك أخرجه أحمد . وقال المحققون : من نسب شيئا من الأفعال إلى الدهر حقيقة كفر ، ومن جرى هذا اللفظ على لسانه غير معتقد لذلك فليس بكافر ، لكنه يكره له ذلك لشبهه بأهل الكفر في الإطلاق ، وهو نحو التفصيل الماضي في قولهم : مطرنا بكذا ، وقال عياض : زعم بعض من لا تحقيق له أن الدهر من أسماء الله ، وهو غلط فإن الدهر مدة زمان الدنيا ، وعرفه بعضهم بأنه أمد مفعولات الله في الدنيا أو فعله لما قبل الموت ، وقد تمسك الجهلة من الدهرية والمعطلة بظاهر هذا الحديث واحتجوا به على من لا رسوخ له في العلم ; لأن الدهر عندهم حركات الفلك وأمد العالم ولا شيء عندهم ولا صانع سواه ، وكفى في الرد عليهم قوله في بقية الحديث أنا الدهر أقلب ليله ونهاره فكيف يقلب الشيء نفسه ؟ - تعالى - الله عن قولهم علوا كبيرا . وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة : لا يخفى أن من سب الصنعة فقد سب صانعها ، فمن سب نفس الليل والنهار أقدم على أمر عظيم بغير معنى ، ومن سب ما يجري فيهما من الحوادث ، وذلك هو أغلب ما يقع من الناس ، وهو الذي يعطيه سياق الحديث حيث نفى عنهما التأثير ، فكأنه قال : لا ذنب لهما في ذلك ، وأما الحوادث فمنها ما يجري بوساطة العاقل المكلف فهذا يضاف شرعا ولغة إلى الذي جرى على يديه ، [ ص: 582 ] ويضاف إلى الله - تعالى - لكونه بتقديره ، فأفعال العباد من أكسابهم ، ولهذا ترتبت عليها الأحكام ، وهي في الابتداء خلق الله . ومنها ما يجري بغير وساطة فهو منسوب إلى قدرة القادر ، وليس لليل والنهار فعل ولا تأثير لا لغة ولا عقلا ولا شرعا ، وهو المعني في هذا الحديث . ويلتحق بذلك ما يجري من الحيوان غير العاقل . ثم أشار بأن النهي عن سب الدهر تنبيه بالأعلى على الأدنى ، وأن فيه إشارة إلى ترك سب كل شيء مطلقا إلا ما أذن الشرع فيه ; لأن العلة واحدة ، والله أعلم انتهى ملخصا . واستنبط منه أيضا منع الحيلة في البيوع كالعينة لأنه نهى عن سب الدهر لما يئول إليه من حيث المعنى وجعله سبا لخالقه .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية