الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب أحب الأسماء إلى الله عز وجل

                                                                                                                                                                                                        5832 حدثنا صدقة بن الفضل أخبرنا ابن عيينة حدثنا ابن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال ولد لرجل منا غلام فسماه القاسم فقلنا لا نكنيك أبا القاسم ولا كرامة فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال سم ابنك عبد الرحمن

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب أحب الأسماء إلى الله - عز وجل ) ورد بهذا اللفظ حديث أخرجه مسلم من طريق نافع عن ابن عمر إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن وله شاهد من حديث أبي وهب الجشمي وسيأتي التنبيه عليه بعد باب ، وآخر عن مجاهد عند ابن أبي شيبة مثله ، قال القرطبي : يلتحق بهذين الاسمين ما كان مثلهما كعبد الرحيم وعبد الملك وعبد الصمد ، وإنما كانت أحب إلى الله لأنها تضمنت ما هو وصف واجب لله وما هو وصف للإنسان وواجب له وهو العبودية . ثم أضيف العبد إلى الرب إضافة حقيقية فصدقت أفراد هذه الأسماء وشرفت بهذا التركيب فحصلت لها هذه الفضيلة . وقال غيره : الحكمة في الاقتصار على الاسمين أنه لم يقع في القرآن إضافة عبد إلى اسم من أسماء الله - تعالى - غيرهما ، قال الله - تعالى - : وأنه لما قام عبد الله يدعوه وقال في [ ص: 586 ] آية أخرى وعباد الرحمن ويؤيده قوله - تعالى - قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن وقد أخرج الطبراني من حديث أبي زهير الثقفي رفعه إذا سميتم فعبدوا ومن حديث ابن مسعود رفعه أحب الأسماء إلى الله ما تعبد به وفي إسناد كل منهما ضعف .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن جابر ولد لرجل منا غلام ) اسم الرجل المذكور لم أقف عليه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فسماه القاسم ) مقتضى رواية مسلم عن رفاعة بن الهيثم عن خالد بالسند المذكور هنا " فسماه محمدا " إلا أنه أورده عقب رواية عبثر وهو بوزن جعفر بعين مهملة ثم موحدة ثم ساكنة ثم مثلثة عن حصين بالسند المذكور فسماه محمدا فذكر الحديث ، وفي آخره سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي ، فإنما بعثت قاسما أقسم بينكم ثم ساق رواية خالد وقال بهذا الإسناد ولم يذكر فإنما بعثت قاسما أقسم بينكم وكأن الاختلاف فيه على خالد ، فإن الإسماعيلي أخرجه من رواية وهيب بن بقية عن خالد فقال " فسماه القاسم " وأخرجه أحمد عن هشيم عن حصين فقال " سماه القاسم " وأخرجه أيضا من رواية معمر عن منصور كذلك ، وأخرجه أبو نعيم من رواية يوسف القاضي عن مسدد عن خالد فقال " سماه باسم النبي - صلى الله عليه وسلم - " هكذا قاله أبو عوانة عن : حصين أخرجه أبو نعيم في " المستخرج على مسلم " وهذا يقتضي ترجيح رواية رفاعة بن الهيثم ، وأخرجه أحمد عن زياد البكائي عن منصور كما قال رفاعة ، وقد وقع الاختلاف فيه على شعبة أيضا في " باب قوله - تعالى - : فأن لله خمسه وللرسول يعني قسم ذلك من كتاب فرض الخمس فأخرجه البخاري هناك عن أبي الوليد عن شعبة عن سليمان وهو الأعمش ومنصور وقتادة قالوا سمعنا سالما أي ابن أبي الجعد عن جابر قال " ولد لرجل منا غلام فأراد أن يسميه محمدا " قال : وقال عمر ويعني ابن مرزوق عن شعبة عن قتادة بسنده " أراد أن يسميه القاسم " وأورده من رواية سفيان الثوري عن الأعمش فقال " أراد أن يسميه القاسم " وأخرجه مسلم من رواية جرير عن منصور فقال فيه " ولد لرجل منا غلام فسماه محمدا فقال له قومه : لا ندعك تسميه باسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانطلق إليه بابنه حامله على ظهره فقال : يا رسول الله ولد لي غلام فسميته محمدا " فذكر الحديث ، وقد بين شعبة أن في رواية منصور عن سالم عن جابر أن الأنصاري قال " حملته على عنقي " أورده البخاري في فرض الخمس ، وقد تقدم أنه يقتضي أن يكون من مسند الأنصاري من رواية جابر عنه ، وسائر الروايات عن سالم بن أبي الجعد يقتضي أنه من مسند جابر ، وفيه أورده أصحاب المسانيد والأطراف ، وقدمت في فرض الخمس أن رواية من قال أراد أن يسميه القاسم أرجح ، وذكرت وجه رجحانه . ويؤيده أنه لم يختلف على محمد بن المنكدر عن جابر في ذلك كما أخرجه المؤلف في آخر الباب الذي يليه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لا نكنيك أبا القاسم ولا كرامة ) في الرواية التي في الباب بعده من هذا الوجه " ولا ننعمك عينا " هو من الإنعام أي لا ننعم عليك بذلك فتقر به عينك ، ويؤخذ منه مشروعية تكنية المرء بمن يولد له ولا يختص بأول أولاده .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ) كذا للأكثر بضم الهمزة على البناء للمجهول ، ولبعضهم بالبناء للفاعل ، ويؤيده ما في الباب الذي بعده بلفظ " فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال سم ابنك عبد الرحمن ) في مطابقة الترجمة لحديث جابر عسر ، وأقرب ما قيل أنهم لما أنكروا [ ص: 587 ] عليه التكني بكنية النبي - صلى الله عليه وسلم - اقتضى مشروعية الكنية ، وأنه لما أمره أن يسميه عبد الرحمن اختار له اسما يطيب خاطره به إذ غير الاسم فاقتضى الحال أنه لا يشير عليه إلا باسم حسن ، وتوجيه كونه أحسن تقدم في أول الباب ، قال بعض شراح " المشارق " لله الأسماء الحسنى ، وفيها أصول وفروع أي من حيث الاشتقاق قال : وللأصول أصول أي من حيث المعنى ، فأصول الأصول اسمان الله والرحمن ; لأن كلا منهما مشتمل على الأسماء كلها ، قال الله - تعالى - : قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن ولذلك لم يتسم بهما أحد . وما ورد من رحمان اليمامة غير وارد لأنه مضاف ، وقول شاعرهم

                                                                                                                                                                                                        وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا

                                                                                                                                                                                                        تغالى في الكفر ، وليس بوارد ; لأن الكلام في أنه لم يتسم به أحد ، ولا يرد إطلاق من أطلقه وصفا لأنه لا يستلزم التسمية بذلك ، وقد لقب غير واحد الملك الرحيم ولم يقع مثل ذلك في الرحمن ، وإذا تقرر ذلك كانت إضافة العبودية إلى كل منهما حقيقة محضة ، فظهر وجه الأحبية ، والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية